أثناء مناقشة جانبية مع أحد المختصين بالتنمية الاقتصادية من جامعة كامبريدج شدد على مركزية وضرورة استنباط عنوان يعبر عن نموذج خاص يستطيع الجمع بين الرسالة والنهج. وذكر ملاحظة دينج شياو بينج عراب التحول والتحديث الصيني في 1978 حين قال: "ليس من المهم القطة بيضاء أو سوداء ما دامت تصيد الفئران".
في تفسيره أن الخيار ليس بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي، لكن الأولوية والحاجة العملية إلى تحديث الاقتصاد الصيني، سبق أن ذكرت هذه المقولة التاريخية في عدة مناسبات، بل يقول: إنه بعد نحو 40 عاما من المقولة إنه أجري استطلاع بين الطلاب الصينيين في الجامعة وتبين أن هذه المقولة القيادية لا تزال تجد صدى وتفاعلا كنقطة انعطاف في عملية التحول. التجربة في المملكة مختلفة موضوعيا في أغلب العناصر الفاعلة حجما وكيفا لكنها لا تختلف في طبيعة التحدي التنموي. أحد جوانب التحدي الواعدة يأتي في فرصة تطوير الصناعة خاصة أن هناك قاعدة صناعية جيدة وتجربة ناجحة. وفي ظل عزيمة الرؤية الاقتصادية الشاملة هناك فرصة أخرى لمواصلة النجاح، لكن الرؤية بطبيعتها مظلة شمولية لا تدخل في التفاصيل العملية، فهذه تترك للفعاليات الاقتصادية، الجهات العامة المعنية والأفراد والشركات الخاصة والوسط البحثي والمعرفي والقطاع الثالث ذات العلاقة في كل مجال تطبيقي.
أجد أن الصناعة حالة خاصة لأنها كفيلة أن تكون رأس حربة لتقدم جديد. لكن أيضا هناك حاجة ماسة إلى إعادة تأطير الفكر كي يخدم المرحلة المستقبلية. الصناعة كما يذكرنا المختصون تقاس بالأجيال الصناعية فالمملكة تخطت الجيلين الأول والثاني ولا تزال في الثالث وأحيانا بين الثاني والثالث وهناك تفكير في الجيل الرابع يقدر للمفكرين فيه لكن يصعب اختزال المراحل قبل هضمها والتأسيس لقاعدة جديدة. موضوع الصناعة له عدة زوايا يستحسن أن نتعامل معها كلا على حدة؛ الأولى، الصناعات الجديدة المكلفة ذات المخاطرة العالية مثل السلاح لا يمكن أن تقوم دون دور حكومي مباشر ومؤثر لأعوام كما حدث مع الصناعات البتروكيماوية في الثمانينيات، فهذه وصلت إلى مستوى صناعات ثانوية متقدمة بدور حكومي قوي في البداية، التفرعات والسلاسل منها لا بد أن تكون للقطاع الخاص، وبعض الصناعات أغلبها قام بجهود القطاع الخاص مثل مواد البناء رغم دور حكومي.
الثانية، نحن في حالة جديدة تتطلب وضوح الرسالة ونهجا جديدا في المجال الصناعي. النهج الجديد يتطلب فرزا واضحا.
هناك ثلاثة عناصر تحتاج إلى فرز ومتابعة وأن تكون كل واحدة منها مركزية لكن جزءا من كل، الأول أن القطاع العام يقوم بدور مباشر في صناعة السلاح، الثاني في مركزية هيئة المحتوى المحلي والمشتريات بعين على الروابط الأفقية والرأسية "خريطة صناعية فكرية وتحليلية واضحة"، وبتوظيف صناعي فاعل لعصا المشتريات، دور الهيئة الحقيقي الربط بين القطاعين العام والخاص، لعل السؤال هنا هل هي قادرة على دور في السياسات والرقابة في آن واحد؟ الثالث تطوير نموذج جديد في العلاقة بين القطاعين العام والخاص، لعل الأفضل أن تكون هناك مفاضلة واقعية بين بيوت الصناعة الخاصة والمراهنة على أفضل عشرة "حجما وخبرة وكفاءة" كي يتعاون معها القطاع العام، لا بد من الوصول إلى توازن بين الفعالية والعدالة مع ميل نحو الحجم والفعالية مرحليا.
تجربة دول شرق آسيا أنسب لنا من نماذج الغرب القديمة، تجربة كوريا في العلاقة بين الشركات العائلية والحكومة من ناحية وتجربة الصين من ناحية أخرى في دور الجهات الحكومية مرحليا. الصناعة في مستوى معين لا يمكن أن تكون تحت إدارة القطاع العام مباشرة، ولذلك أرى أن المرحلة تقتضي دورا مباشرا لبيوت الصناعة الخاصة تحت رقابة ودعم حكومي مباشر. هناك محاذير من أي نموذج نختاره لكن في الأخير لا بد من نموذج يناسبنا. النجاح يأتي من تعظيم ما تحقق وهو ليس قليلا بشرط أن نشرع حثيثا في نموذج جديد يكون البيت الصناعي عماده وليس التجاري.
مرئيات صناعية
نقلا عن الاقتصادية
مقاربة جيدة استاذ فواز، لكن اسمح لي بتعديل أضلاع المثلث: الجامعات - الشركات - الحكومة الجامعات: اوعية البحث و مراكز التميز الفكري الضامن للاستدامة و خلق القيمة الشركات: التي تملك الجدارات الكافية لتحويل الأوراق الى منتجات في السوق. الحكومة: بكل قطاعاتها التي تمثل العميل الأهم و الأول لكل منتج و محتوى محلي العلاقة بين هذه المكونات ليست باتجاه واحد، لكنها تأخذ التكامل لكل منهم (input-output)
شكرا لك نموذج آخر. هناك اكثر من منهج و لكن رأيت تقليل الخطوات لكي يتسنى لنا تركيز و متابعة . في نظري البحث العلمي يبدأ دوره الحقيقي حين تصل مرحلة تنافسية .