صناعة «هاري بوتر» السعودي

09/10/2019 2
عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

تمثل صناعة الترفيه حول العالم رقما كبيرا لا يستهان به، فمن حيث العوائد بلغت هذه الصناعة إيرادات تزيد على تريليوني دولار في عام 2017 حسب تقرير لشركة PWC، هذا الرقم كبير ويدل على حجم هذه السوق لكن يجب معرفة أنها قطاع كبير تدخل ضمنه عدة قطاعات أخرى مثل الموسيقى، والأفلام، والألعاب بجميع أشكالها (ألعاب الفيديو وغيرها) والتلفزيون والراديو وغيرها. تعد الولايات المتحدة أكبر سوق وصانع للترفيه حول العالم، إذ تبلغ حصتها من هذه السوق في حدود 29 في المائة وهي أكبر صانع محتوى لها في العالم، إذ تسيطر على صناعة الأفلام (محتوى وإنتاج) وبقية القطاعات بنسب مختلفة، فمثلا تبلغ حصة الولايات المتحدة من صناعة ألعاب الفيديو 21 في المائة والبقية موزعة على دول العالم، أما صناعة الموسيقي فتبلغ حصتها 30 في المائة، وصناعة الأفلام تبلغ حصتها 34 في المائة، وهكذا تدل الأرقام والنسب على نفوذ وسيطرة الولايات المتحدة على هذه الصناعة المهمة والكبيرة من الصناعة، ومن ناحية أخرى وهي الأهم: المحتوى.

لعلي هنا أستشهد بمنتج واحد لأعطي مثالا على صناعة المحتوى وكيفية رفع العائد منها، عندما كتبت J K Rowling روايتها الأولى المشهورة "هاري بوتر" لم تعلم أنها ستجد سلسلة من المنتجات والعوائد الضخمة من هذا المحتوى القصصي، لقد أنتجت الكاتبة سبع روايات حققت مبيعات حتى عام 2017 (400) مليون دولار (دور نشر بريطانية وأمريكية)، كذلك تم بيع حقوق إنتاجها سينمائيا إلى شركة Warner Bros الأمريكية التي أنتجت بدورها ثمانية أفلام من هذه الروايات حققت إيرادات أكثر من 7.7 مليار دولار، وليس هذا فقط، بل تم إنتاج 11 لعبة من ألعاب الفيديو عبر شركة Electronic Arts، إضافة إلى إيجاد ألعاب من وحي الفيلم في حديقة أو مدينة ألعاب Comcast’s Universal Orlando، وتم افتتاح ستوديو أو متحف لـ"هاري بوتر" في بريطانيا، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم منح حقوق استخدام العلامة التجارية لـ"هاري بوتر" لعديد من الشركات (طبعا بمقابل مادي كبير) مثل كوكاكولا، وليقو، وجونسون آند جونسون وغيرها كثير. كل هذه الاستخدامات والاستغلال الأمثل لمنتج أو محتوى تم إنتاجه من كاتبة مغمورة صنع سوقا ضخمة غزت به العالم وحقق إيرادات ضخمة جدا، ولم يكن في بال هذه الكاتبة أنها ستصل إلى أرجاء المعمورة عبر عدة منتجات عن طريق هذه الرواية، التي يعدها البعض سخيفة وسطحية.

شهدنا في العامين الأخيرين اهتماما كبيرا ومتزايدا بصناعة الترفيه تقوده هيئة الترفيه وبجهود كبيرة لتنمية هذه الصناعة، حيث تم توزيع مواسم للترفيه على طول العام في مختلف مناطق المملكة، 11 موسما متداخلا ومتفرقا يراعي المناطق وملائما للمناخ والمناسبات الدينية والوطنية، وحسب إحصائيات متوقعة لحجم إنفاق السعوديين على الترفيه بحلول عام 2030 يبلغ 36 مليار ريال وهو رقم كبير جدا، ويجب علينا الإعداد الجيد لهذه الصناعة.

إن أغلب الجهود القوية التي تقوم بها الهيئة ليست بالسهلة وستغير من شكل الترفيه، لكن أعتقد أن التحدي الأكبر للهيئة وباقي الجهات المرتبطة هو كيفية صناعة محتوى ترفيهي يقوم على قيمنا وتراثنا المحلي الجميل المتنوع. ليس من الصعب استجلاب المنتجات الترفيهية من الخارج مع السيولة والميزانية المناسبة، لكن من الصعب إيجاد محتوى محلي من الترفيه وتنميته ومن ثم تصديره خارجيا ليحلق ويمثل الوطن ويعرف به دوليا، كما تفعل الولايات المتحدة عالميا أو كما تغزو كوريا الجنوبية العالم بثقافتها وفرقها الموسيقية ومسلسلاتها، خصوصا إذا كنا نستهدف جعل السعودية إحدى أبرز الجهات المستهدفة من الزوار للترفيه، فمن يريد القدوم للسعودية يريد أن يرى شيئا متميزا يعكس الثقافة والتراث المحلي وليس الثقافة الأمريكية أو غيرها التي هي موجودة في كل مكان. أعلم أن بعض هذه المنتجات ليس من صميم عمل هيئة الترفيه لكنها إحدى الجهات التي يمكن أن تتداخل معها، ومن الممكن تصميم حدائق أو ألعاب من وحي التراث والموروث الشعبي المتنوع. ليس من الجيد الاعتماد بشكل شبه كامل على المنتجات الترفيهية (طبعا أنا كذلك لست ضدها بل يجب نقل منتجات عالمية إلينا وتوفيرها لنا بدل الذهاب اليهم) بل المهم التركيز على كيفية صناعة محتوى ترفيهي نابع من تراثنا وثقافتنا بالتوازي مع التفكير والاهتمام بتطوير الصناعة من نواحيها الأخرى مثل الخدمات اللوجستية والتمويل وغيرها.

يجب أن تكون لدينا منتجاتنا الخاصة السعودية التي نفتخر بها فيما بعد، ويجب أن تضع الهيئة هذا الهدف ضمن الأولويات لديها وتدعم الشباب والشابات الراغبين في تطوير محتوى محلي سعودي خالص من وحي التراث والثقافة. أغلب دول العالم تجاهد لإيجاد محتوى محلي لها في ظل غزو وهيمنة المنتجات الترفيهية الأمريكية (وهي جيدة وتجب الاستفادة من صناعة أمريكية للترفيه وكيف جعلتها تهيمن). يجب أن تكون أهدافنا أكبر وطموحنا هو عنان السماء كما ذكر ولي العهد وعراب الـ"رؤية"، وعنان السماء لن يأتي إذا لم نصل إلى إبراز مكنوننا الثقافي والتراثي إلى منتجات سواء عبر الترفيه أو غيرها ونصدره إلى دول أخرى، كلنا يعلم كيف أن دولة مثل إيران تحاول غزو الدول الأخرى (خصوصا الدول الإسلامية) ثقافيا عبر أفلامها مستغلة التراث الديني لتوصيل رسائل الثورة الإيرانية، وكذلك تركيا عبر مسلسلاتها لتسوق لسياحتها.

نحمل في تراثنا قصصا رائعة وجميلة يجب أن تترجم إلى أعمال سينمائية أو ينتج منها ألعاب كما حدث مع "هاري بوتر"، ولدينا أساطير شعبية نستطيع فعل الشيء نفسه منها. هذا كنز وطني لم يتقدم حتى الآن أحد إلى استغلاله ونقله إلى الصناعة بجميع أنواعها بدءا من الروايات والأفلام ثم المنتجات الأخرى. أتمنى أن أشاهد اليوم الذي أجد فيه إحدى قصصنا الشعبية يتم نقلها وتطويرها وإيصالها إلى العالم عبر فيلم أو ألعاب فيديو أو أي منتج ترفيهي آخر كما حدث مع "هاري بوتر" ليكن لدينا "هاري بوتر" سعودي.

نقلا عن الاقتصادية