لو كان الفقر رجلا لقتلته. مقولة مشهورة في تاريخنا. وأيا كان القائل فالمعنى واضح. الفقر يجعل الإنسان تعيسا. ذلك أنه يعني العوز والحاجة إلى الأساسيات. وهذا يعني أن الفقير من الناس من لا يملك القوت، أو لا يحصل على لوازم الحياة الأساسية. واللوازم أو المطلوبات ثلاث درجات: أساسية ومتوسطة الأهمية واللزوم، وكمالية. فالمسكن مثلا، له حدود دنيا في توفير متطلبات العيش بكرامة، فإن زادت الحدود صارت متوسطة، وإن زادت أكثر صارت كمالية والأمر يتطلب وضع معايير ومؤشرات.
الفقر آفة كبيرة داخل المجتمعات. وقد جاء الفقر تاليا للكفر، قال نبينا محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام: "اللهم أني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر". وانتشار الفقر في دولة من الدول نذير سوء لاستقرارها.
وليس كل سائل فقيرا. نرى بين وقت ووقت من يسأل الناس أو من يسمون بالشحاذين. بافتراض صدق السائل، هل سؤاله يعني أنه فقير؟ ربما نعم وربما لا. هناك فئة كبيرة من طالبي المساعدة يدعون أن عليهم ديونا لا يقدرون على سدادها.
تركز الثروات
يشهد العالم تركزا للثروات أكثر مما كان قبل عقود من الزمن. التطورات التقنية ساعدت على حدوث ذلك.
قال تقرير لمنظمة أوكسفام الدولية إن نحو ثمانية دولارات من كل عشرة دولارات جنيت عام 2017 ذهبت إلى 1 في المائة من البشر، وهم الأغنى في العالم. وساعدت التطورات التقنية على حدوث هذا التركز. ومن ثم يظهر سؤال جوهري: هل يمكن الجمع بين خفض فروق الدخل بين البشر، وفي الوقت نفسه تحسين الكفاءة وإبقاء شعلة التطور؟ هل يمكن الجمع بين المطلبين؟ ليس من السهل الجمع، لكن من السهل محاربة الفقر دون إضرار بالكفاءة.
محاربة الفقر لا تعني محاربة اقتصاد السوق
يتهم البعض ممن يحملون توجهات اشتراكية اقتصاد السوق أو ما يسمى بالرأسمالية مسؤولية الفقر. هذا تبسيط مخل للمشكلة. العيب ليس في الثراء ذاته، لكن في اثنين: في ثراء جلبه فساد، وفي ترك الفقراء يبقون فقراء. الركن الثالث من أركان الإسلام الزكاة هدفه الأول محاربة الفقر وليس محاربة الثراء.
التحدي أن نرى في وقت واحد زيادة في ثراء الأمة منعكسا على زيادة ثراء أقوام ومعه انخفاض مماثل أو أقوى في الفقر. فإن حصل الأول دون الثاني فهناك مشكلة كبيرة. وزيادة ثراء أقوام دون أقوام ليست مشكلة، إلا إذا كان تحقق الأول بطرق غير مشروعة. والحكم بأنها مشروعة أو غير مشروعة ليس نتاج فهم ورأي عامة الناس، بل نتاج قواعد محكمة وإثباتات.
هل الزكاة كافية في كل الأحوال للقضاء على الفقر؟ لا دليل شرعيا على أن الجواب قطعا نعم. بل الأمر يتطلب نظرا عميقا للأوضاع، وحسابات على درجة عالية من المهنية.
لو افترضنا أن النظر العميق والحسابات المهنية دلا على عدم كفاية الزكاة للقضاء على الفقر، فهنا يجب على الدول أن تتدخل في وضع سياسات وتشريعات إضافية يغلب على الظن أنها ستقضي على الفقر. وتراجع النتائج مع الوقت.
ويمكن أن تعتمد الحكومات على مجموعة من السياسات لتعزيز النمو من خلال الحد من عدم المساواة وضمان أن يؤدي النمو إلى الحد من الفقر. وستعتمد السياسات التي تقرها الحكومات على الأهمية النسبية لهذين الهدفين والأفق الزمني المتوقع أن تحقق فيه نتائج.
إننا نعيش في عالم بلغت فيه التقنية وتطور الاقتصادات مبلغا، وحققت فيه أقلية ثروات كبيرة. في الوقت نفسه يبيت بعض البشر جائعا وبلا مأوى. وكشف تقرير المخاطر العالمية لعام 2014 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي وشارك فيه مئات الخبراء، عن أن استمرار هذا الوضع شديد الضرر بالبشر والاقتصاد العالمي. وبصورة أعم كشف التقرير عن عدة مخاطر من خلال نظرة مستقبلية للأعوام العشرة المقبلة. وهذه المخاطر قادرة على إحداث تأثير سلبي بارز في امتداد جميع الدول والقطاعات حال حدوثها. صنفت هذه المخاطر لتضم مخاطر اقتصادية وبيئية وجيوسياسية ومجتمعية وتقنية. ويرى الخبراء أن المخاطر الأكثر احتمالية للحدوث، بعد تزايد التفاوت في الدخل، هي الظروف والتغيرات المناخية التي يحتمل أن تتسبب في حدوث صدمات على الصعيد العالمي. تليها مخاطر العطالة والهجمات الإلكترونية.
نقلا عن الاقتصادية