تتبنى الدول سياسات للدعم ومكافحة الفقر. هذا أمر معروف جيدا. ومن ثم فالنقاش ليس على المبدأ والأساس، بل يتوجه إلى التفاصيل.
عن أي فقر نتكلم؟ وما الأسلحة التي يحارب بها؟ كيف نعرف أن السياسات التي يطبقها مجتمع من المجتمعات ناجحة في محاربة الفقر؟ ما معايير تقييم هذه السياسات؟ هل ساعدت هذه الأسلحة في إنقاذ الناس والمجتمعات من الفقر على المدى البعيد؟
الفقر يعني العوز والحاجة. وقولنا افتقر إلى كذا أي احتاج إليه. ومنه فقر الدم. والفقراء هم أول فئة مستحقة للزكاة. يقول سبحانه "إنما الصدقات للفقراء والمساكين ..." إلخ الآية. ومن ثم فوجود الفقر ومحاربته شأن لا جدال فيهما. لكن طبيعة الفقر وكيفية محاربته عرضة للأخذ والرد حسب الزمان والمكان. لنأخذ الحديث النبوي التالي: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
نعم عظيمة من كانت عنده فكأنما حاز الدنيا كلها. لكن قد يقول قائل إن كثيرين تتوافر فيهم هذه الصفات ولديهم من الدخل ما يكفيهم لشراء قوت يومهم، لكنهم فقراء. فهل يتعارض ذلك مع الحديث؟ والجواب: لا يتعارض، لكنه يتعارض مع فهم البعض لما هو مطلوب تجاه الفقر. وكثير من علماء الاقتصاد والاجتماع انتهوا إلى هذا رغم أنهم غير مسلمين.
قدم ويقدم علماء اقتصاد واجتماع وغيرهم اقتراحات كثيرة لمعالجة الفقر أو تقليله على الأقل. ومصدر كبير للخلافات بينهم يرجع إلى مرئيات مختلفة في معنى وطبيعة وأصول الفقر وكيفية محاربته بأقل تكلفة ممكنة.
هناك من يرى أن الفقر نتاج ظروف اجتماعية واقتصادية، والفقراء ليسوا سببا في الوقوع تحتها ابتداء. مثلا الافتقار إلى فرص عمل سبب من أسباب الفقر. ومشكلة فرص العمل مشكلة مجتمع لا فرد. ومن يرون هذا الرأي يحملون الحكومات مسؤولية مكافحة الفقر.
هناك رأي آخر -وغالبا يتبناه ما يسمون بالمحافظين في دول الغرب- يرى أن الفقر نتاج سوء تكيف في السلوك. والسلوك من مسؤوليات الأفراد، وبيدهم تغييره.
هل هناك قواسم مشتركة بين الرأيين؟ نعم. لدينا مشكلات مجتمعية، ومشكلات على مستوى الفرد. ووجود أحدهما لا يعني إلغاء وجود الآخر. ومن ثم مطلوب التوسع في الفهم والتعمق فيه. وفوق هذا مطلوب نشر ثقافة التوسط والقناعة. وهذا ما أفهمه من الحديث الشريف السابق الذي بين أن حيازة تلك النعم تعني حيازة الدنيا. وهذه مدعاة إلى شكر النعم ولو كانت قليلة. وفي هذا المعنى جاء الحث على العمل مهما كان بسيطا وأنه أفضل من سؤال الآخرين "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه"، متفق عليه.
النصوص الشرعية تحث بوضوح على الاعتماد على النفس بعد الله. النصوص تحث الناس على الابتعاد عن عقلية وسلوك يا فلان تصدق علي، يا فلان ما عندكم زكاة؟ وما إلى ذلك.
تجر الكلمات والأحاديث السابقة إلى موضوع الحوافز والدعم، وما له وعليه.
ما جاء سهلا يذهب سهلا. وفي معناه مثل معروف بالإنجليزية Easy Come Easy Go. والمعنى يفهم منه أشياء كثيرة. مثلا، عندما يكون المدير مهملا فلا تستغرب إهمال موظفيه. هذه طبيعة بشرية. ولولا ذلك لما احتاجت الحكومات إلى فرض عقوبات على المخالفين. من ثم فحصول الإنسان على مال بسهولة مباشرة أو عبر دعم سعرها يؤثر في تصرفاته غالبا، إلا أن يشاء الله. من المؤثرات تقليل حافز العمل والنشاط، والميل إلى الإسراف.
وتؤيد هذا الفهم نصوص شرعية كثيرة تدل على قلة الشكر من العباد، وضعف تقدير النعمة. وفي الموضوع نظريات وبحوث كثيرة جدا، وتشمل فيما تشمل ما يسمى فتنة الموارد الطبيعية ومنها فتنة النفط Oil Curse. بل يرى بعض علماء الاجتماع والاقتصاد أن التوسع في الحصول على المال بسهولة يهيئ ظروفا لمزيد خلافات وربما تفكك أسري.
مشكلة فتنة النفط، وبصفة أعم مشكلة الركون إلى ما جاء من مال بسهولة مشكلة كبيرة. تداركتها دولتنا بتبني سياسات تستهدف تقليل الاعتماد على دخل النفط. ومعروف أن دخل النفط يأتي بسهولة. وما جاء بسهولة يغري بإنفاقه بسهولة. وكان هذا أساسا من أسس خفض أو إلغاء دعم سلع استهلاكية. والاستعاضة عنها بمخصصات نقدية لفئات أكثر احتياجا تحت حساب المواطن.
باختصار مطلوب مكافحة الفقر ودعم المحتاجين. لكن في الوقت نفسه مطلوب مكافحة ودعم يراعيان أيضا تقليل الآثار غير المرغوب فيها. وهذا يتطلب تصميم مجموعة من التجارب وتطبيقها بصورة عينات لقياس تأثيرات خطط بديلة في مكافحة الفقر أو في الدعم عموما على سلوك الناس. وسبق في دول أن عملت اختبارات بينت تأثيرات برامج دعم.
نقلا عن الاقتصادية
عن أي فقر نتكلم؟ وما الأسلحة التي يحارب بها؟ كيف نعرف أن السياسات التي يطبقها مجتمع من المجتمعات ناجحة في محاربة الفقر؟ ما معايير تقييم هذه السياسات؟ هل ساعدت هذه الأسلحة في إنقاذ الناس والمجتمعات من الفقر على المدى البعيد؟
الفقر يعني العوز والحاجة. وقولنا افتقر إلى كذا أي احتاج إليه. ومنه فقر الدم. والفقراء هم أول فئة مستحقة للزكاة. يقول سبحانه "إنما الصدقات للفقراء والمساكين ..." إلخ الآية. ومن ثم فوجود الفقر ومحاربته شأن لا جدال فيهما. لكن طبيعة الفقر وكيفية محاربته عرضة للأخذ والرد حسب الزمان والمكان. لنأخذ الحديث النبوي التالي: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
نعم عظيمة من كانت عنده فكأنما حاز الدنيا كلها. لكن قد يقول قائل إن كثيرين تتوافر فيهم هذه الصفات ولديهم من الدخل ما يكفيهم لشراء قوت يومهم، لكنهم فقراء. فهل يتعارض ذلك مع الحديث؟ والجواب: لا يتعارض، لكنه يتعارض مع فهم البعض لما هو مطلوب تجاه الفقر. وكثير من علماء الاقتصاد والاجتماع انتهوا إلى هذا رغم أنهم غير مسلمين.
قدم ويقدم علماء اقتصاد واجتماع وغيرهم اقتراحات كثيرة لمعالجة الفقر أو تقليله على الأقل. ومصدر كبير للخلافات بينهم يرجع إلى مرئيات مختلفة في معنى وطبيعة وأصول الفقر وكيفية محاربته بأقل تكلفة ممكنة.
هناك من يرى أن الفقر نتاج ظروف اجتماعية واقتصادية، والفقراء ليسوا سببا في الوقوع تحتها ابتداء. مثلا الافتقار إلى فرص عمل سبب من أسباب الفقر. ومشكلة فرص العمل مشكلة مجتمع لا فرد. ومن يرون هذا الرأي يحملون الحكومات مسؤولية مكافحة الفقر.
هناك رأي آخر -وغالبا يتبناه ما يسمون بالمحافظين في دول الغرب- يرى أن الفقر نتاج سوء تكيف في السلوك. والسلوك من مسؤوليات الأفراد، وبيدهم تغييره.
هل هناك قواسم مشتركة بين الرأيين؟ نعم. لدينا مشكلات مجتمعية، ومشكلات على مستوى الفرد. ووجود أحدهما لا يعني إلغاء وجود الآخر. ومن ثم مطلوب التوسع في الفهم والتعمق فيه. وفوق هذا مطلوب نشر ثقافة التوسط والقناعة. وهذا ما أفهمه من الحديث الشريف السابق الذي بين أن حيازة تلك النعم تعني حيازة الدنيا. وهذه مدعاة إلى شكر النعم ولو كانت قليلة. وفي هذا المعنى جاء الحث على العمل مهما كان بسيطا وأنه أفضل من سؤال الآخرين "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه"، متفق عليه.
النصوص الشرعية تحث بوضوح على الاعتماد على النفس بعد الله. النصوص تحث الناس على الابتعاد عن عقلية وسلوك يا فلان تصدق علي، يا فلان ما عندكم زكاة؟ وما إلى ذلك.
تجر الكلمات والأحاديث السابقة إلى موضوع الحوافز والدعم، وما له وعليه.
ما جاء سهلا يذهب سهلا. وفي معناه مثل معروف بالإنجليزية Easy Come Easy Go. والمعنى يفهم منه أشياء كثيرة. مثلا، عندما يكون المدير مهملا فلا تستغرب إهمال موظفيه. هذه طبيعة بشرية. ولولا ذلك لما احتاجت الحكومات إلى فرض عقوبات على المخالفين. من ثم فحصول الإنسان على مال بسهولة مباشرة أو عبر دعم سعرها يؤثر في تصرفاته غالبا، إلا أن يشاء الله. من المؤثرات تقليل حافز العمل والنشاط، والميل إلى الإسراف.
وتؤيد هذا الفهم نصوص شرعية كثيرة تدل على قلة الشكر من العباد، وضعف تقدير النعمة. وفي الموضوع نظريات وبحوث كثيرة جدا، وتشمل فيما تشمل ما يسمى فتنة الموارد الطبيعية ومنها فتنة النفط Oil Curse. بل يرى بعض علماء الاجتماع والاقتصاد أن التوسع في الحصول على المال بسهولة يهيئ ظروفا لمزيد خلافات وربما تفكك أسري.
مشكلة فتنة النفط، وبصفة أعم مشكلة الركون إلى ما جاء من مال بسهولة مشكلة كبيرة. تداركتها دولتنا بتبني سياسات تستهدف تقليل الاعتماد على دخل النفط. ومعروف أن دخل النفط يأتي بسهولة. وما جاء بسهولة يغري بإنفاقه بسهولة. وكان هذا أساسا من أسس خفض أو إلغاء دعم سلع استهلاكية. والاستعاضة عنها بمخصصات نقدية لفئات أكثر احتياجا تحت حساب المواطن.
باختصار مطلوب مكافحة الفقر ودعم المحتاجين. لكن في الوقت نفسه مطلوب مكافحة ودعم يراعيان أيضا تقليل الآثار غير المرغوب فيها. وهذا يتطلب تصميم مجموعة من التجارب وتطبيقها بصورة عينات لقياس تأثيرات خطط بديلة في مكافحة الفقر أو في الدعم عموما على سلوك الناس. وسبق في دول أن عملت اختبارات بينت تأثيرات برامج دعم.
نقلا عن الاقتصادية