الفقر ليس مجرد نقص الدخل، بل هو ظاهرة متعددة الأبعاد تمس حياة الإنسان من جوانب شتى، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والسكن، والخدمات الأساسية، ولهذا أصبح من الضروري إعادة تعريف الفقر وفقًا لرؤية شاملة تتجاوز المعايير الاقتصادية الضيقة، حيث يشير مفهوم الفقر المتعدد الأبعاد إلى الحالة التي يعاني فيها الأفراد أو الأسر من نقص في عدة مؤشرات أساسية للحياة الكريمة، حتى وإن لم يكونوا مصنفين كفقراء وفقًا لمستوى الدخل، فمن الممكن لشخص أن يمتلك دخلًا معقولًا نسبيًا، لكنه يعيش في منطقة نائية بلا تعليم جيد أو خدمات صحية أو مياه نظيفة، في هذه الحالة ورغم توفر المال، يظل الفرد فقيرًا من منظور شامل، وفي هذا السياق، جاءت رؤية السعودية 2030 كخطة طموحة لا تركز على الإصلاحات الاقتصادية فقط، بل تشمل أيضًا الجوانب الاجتماعية والتنموية المرتبطة بالفقر متعدد الأبعاد، وتهدف هذه الرؤية إلى تحسين جودة الحياة لكل مواطن ومقيم، من خلال حزمة من المبادرات المتكاملة، من أبرزها برنامج الإسكان الذي يسعى إلى توفير مساكن ملائمة بأسعار مناسبة.
مما يسهم في معالجة أحد الأبعاد الأساسية للفقر، وبرنامج تنمية القدرات البشرية الذي يهدف إلى تعزيز فرص التعليم والتدريب، ورفع كفاءة المواطنين وتأهيلهم لسوق العمل، كما يتضمن برنامج التحول الوطني الذي يركز على تحسين جودة الخدمات الصحية والاجتماعية في جميع مناطق المملكة، خاصةً في المناطق النائية، إضافة إلى برامج الحماية الاجتماعية، مثل حساب المواطن والضمان الاجتماعي المطور، التي تستهدف الأسر ذات الدخل المحدود بشكل مباشر وتوفر لها دعمًا يعزز قدرتها على تلبية احتياجاتها الأساسية، إن الاعتراف بطبيعة الفقر المركبة يعني أن الحلول يجب أن تكون متكاملة، تعليم، صحة، سكن، دخل، وبيئة، حيث يمكن تقييم واقع الفقر بصورة أكثر عدالة وإنسانية، إن الاعتراف بطبيعة الفقر المركبة له آثار مهمة على السياسات العامة، ولقد نجحت المملكة، من خلال هذه البرامج، في نقل مفهوم مكافحة الفقر من مجرد تقديم دعم مالي مباشر إلى مشروع تنموي شامل يسعى إلى تمكين الأفراد وتحسين ظروفهم المعيشية بشكل مستدام.
وبهذا النهج يمكن تقييم واقع الفقر بصورة أكثر عدالة وإنسانية، وتصبح السياسات العامة أكثر فعالية في التصدي له، ليس كظاهرة اقتصادية فحسب، بل كقضية تمس الكرامة الإنسانية ومستقبل الأجيال، في النهاية الفقر ليس فقط مسألة نقص في الدخل، بل هو غياب للفرص، وافتقار للعدالة، وحرمان من مقومات الحياة الكريمة والتصدي له يتطلب رؤية واعية وشاملة، كما تبنتها المملكة في رؤيتها 2030، واضعة الإنسان في قلب التنمية، ليكون هو الهدف وهو الأداة في بناء مستقبل أكثر عدلاً وازدهارًا، وكما قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون: “إن الفقر ليس قدَرًا، بل هو مشكلة يمكن حلها بالسياسات الصحيحة والإرادة القوية".
نقلا عن الرياض