مع التطور التقني بلغ التواصل بين البشرية قوة ما كانت في حسبان الجيل السابق. لكن هذا التواصل له تبعاته وعلاقته بثقافة ونمط حياة كل بلد نام اقتصاديا يسعى إلى تنمية وتطوير اقتصاده الوطني.
على سبيل المثال، ودون دخول في تفاصيل لا شك أن الاستثمار مطلب أساس لتحقيق التطور الاقتصادي. ومع التطور التقني فإن أموال الاستثمار سهل تنقلها بين الدول، وهذا يفرض منافسة شديدة بين الدول، وتبعا لذلك تتنافس الدول في الاهتمام بجوانب كثيرة مؤثرة من بنية أساسية وتشريعات وتنظيمات وحماية حقوق وحوافز وغيرها مما لا يخفى على الإخوة القراء. لكن هناك جانبا لم ينل اهتماما قويا يتمثل في مدى إغراء الثقافة والحياة والعادات السائدة للمستثمرين. بمعنى آخر: هل ينظر إليها المستثمر على أنها صديقة للاستثمار وداعمة للإنتاجية وتحقيق الأرباح له؟
مهم جدا التأكيد أن الموضوع ليس مقارنة بين قيم وعادات خاصة بالبيئة الغربية، بقيم وعادات أخرى. لكن بين قيم وعادات تدعم متطلبات التطور الاقتصادي وقيم وعادات لا تدعم أو تتعارض مع متطلبات التطور. والأولى الداعمة تعرف أهميتها بذاتها. وإن وجدت واشتهرت بها مجتمعات الغرب فإنها ليست خاصة بهذه المجتمعات.
على سبيل المثال: صدق وضبط المواعيد متطلب لجودة الحياة قديما وحديثا. وقد مدح سبحانه إسماعيل عليه السلام فقال: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا". فصدق الوعد من الصفات الحميدة. وعكسه من الصفات الذميمة قال سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
وقد زادت أهمية هذه الصفة الحميدة مع التطور الاقتصادي الحديث الذي بدأ باختراع الآلة والعصر الصناعي.
وتبعا، يتساءل كثيرون: لماذا لم تتطور وتنم اقتصاديا مجتمعات رغم توافر فرص التطور؟ الكلام ليس عن ركود أو ضعف نمو فترة زمنية بعينها. وإنما عن أوضاع عشرات الأعوام.
يرى علماء اقتصاد واجتماع وغيرهم ممن يهمهم الأمر أن العادات والثقافة والقيم والصفات المحلية السائدة هي أحد الأسباب والعوامل المؤثرة في حركة التنمية والتطور الاقتصادي. ذلك أن مستوى استغلال الموارد يتأثر بعدة عوامل منها طبيعة العادات السائدة في المجتمع. فقد تساعد على حسن الاستغلال وقد تضره، وقد تميل إلى الحياد.
من الصفات التي تتفاوت فيها المجتمعات: مدى رعاية وتقدير المجتمع لأهمية النشاط الفردي. زيادته تدفع عامة أفراد المجتمع إلى مزيد من النشاط. ومن الصفات المتفاوتة: الثقة، فهي صفة مؤثرة في قدرة النجاح على تحقيق التنمية والتطور الاقتصادي وغير الاقتصادي لدى الأفراد. من الصفات: أخلاقيات الاجتهاد. مستوى تقدير ثقافة المجتمع للاجتهاد وحصول الفرد على تقدير لجهوده مؤثر فيه وفي الآخرين ومدى حرصهم على مزيد من الاجتهاد والإنتاج.
تساءل علماء كثيرون: لماذا كان ظهور الثورة الصناعية في بريطانيا وليس في غيرها؟ ولماذا تأثير هذه الثورة متفاوت بين المجتمعات في تأثرها؟ وقد وجد باحثون أن بنية المجتمع البريطاني آنذاك تطورت فيها صفات وقيم ساعدت على ظهور الثورة الصناعية.
وتطبيقا على بلادنا نرى أن شركات في بلادنا تنتشر فيها ثقافة تنظيمية تحفز على الإبداع والتميز وبيئة عمل تؤكد معدلات إنتاج عالية وكفاءة مرتفعة يحرص العاملون فيها على تحقيقها. طبعا سيقال رواتب هذه الشركات عالية. لكن الرواتب ليست كل شيء.
السؤال التالي: كيف نوسع دائرة هذه الثقافة في مجتمعنا قاطبة؟
موضوع طويل، لكنني أذكر نقاطا.
أولا: واجب الفرد أن يتعود ويعود من تحت رعايته ألا يستسلم إلى تقاليد وعادات يرى داخل نفسه أنها تضعف قيمة الاجتهاد والعمل وحسن استغلال الموارد. وعليه ألا يتعود على التبرير ورمي العيب على الآخرين. لا يقبل الله سبحانه في الآخرة الاحتجاج القائم على تبرير النفس. يقول سبحانه: "وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم" الآية.
ثانيا: التعليم. وهو موضوع طويل. وقد أولته الـ"رؤية" اهتماما خاصا.
ثالثا: استغلال المشاريع الكبرى التي تخطط الدولة لتنفيذها واستغلالها بشكل يسهم في تغيير سلوكيات غير حضارية. وسبق أن كتبت مقالا عن هذا عنوانه: "كيف نجعل القدية أداة لتغيير بعض السلوكيات"، وهو منشور في عدد "الاقتصادية" بتاريخ 30 نيسان (أبريل) 2018.
ونطمح أن تعمل في بلادنا دراسات وبحوث حول الموضوع تحت مظلة الـ"رؤية"، يشترك فيها علماء باحثون من تخصصات متعددة ذات علاقة، مثل الاقتصاد والاجتماع والتربية. ومن المفيد جدا أن تؤخذ مرئيات آخرين.
نقلا عن الاقتصادية
على سبيل المثال، ودون دخول في تفاصيل لا شك أن الاستثمار مطلب أساس لتحقيق التطور الاقتصادي. ومع التطور التقني فإن أموال الاستثمار سهل تنقلها بين الدول، وهذا يفرض منافسة شديدة بين الدول، وتبعا لذلك تتنافس الدول في الاهتمام بجوانب كثيرة مؤثرة من بنية أساسية وتشريعات وتنظيمات وحماية حقوق وحوافز وغيرها مما لا يخفى على الإخوة القراء. لكن هناك جانبا لم ينل اهتماما قويا يتمثل في مدى إغراء الثقافة والحياة والعادات السائدة للمستثمرين. بمعنى آخر: هل ينظر إليها المستثمر على أنها صديقة للاستثمار وداعمة للإنتاجية وتحقيق الأرباح له؟
مهم جدا التأكيد أن الموضوع ليس مقارنة بين قيم وعادات خاصة بالبيئة الغربية، بقيم وعادات أخرى. لكن بين قيم وعادات تدعم متطلبات التطور الاقتصادي وقيم وعادات لا تدعم أو تتعارض مع متطلبات التطور. والأولى الداعمة تعرف أهميتها بذاتها. وإن وجدت واشتهرت بها مجتمعات الغرب فإنها ليست خاصة بهذه المجتمعات.
على سبيل المثال: صدق وضبط المواعيد متطلب لجودة الحياة قديما وحديثا. وقد مدح سبحانه إسماعيل عليه السلام فقال: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا". فصدق الوعد من الصفات الحميدة. وعكسه من الصفات الذميمة قال سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
وقد زادت أهمية هذه الصفة الحميدة مع التطور الاقتصادي الحديث الذي بدأ باختراع الآلة والعصر الصناعي.
وتبعا، يتساءل كثيرون: لماذا لم تتطور وتنم اقتصاديا مجتمعات رغم توافر فرص التطور؟ الكلام ليس عن ركود أو ضعف نمو فترة زمنية بعينها. وإنما عن أوضاع عشرات الأعوام.
يرى علماء اقتصاد واجتماع وغيرهم ممن يهمهم الأمر أن العادات والثقافة والقيم والصفات المحلية السائدة هي أحد الأسباب والعوامل المؤثرة في حركة التنمية والتطور الاقتصادي. ذلك أن مستوى استغلال الموارد يتأثر بعدة عوامل منها طبيعة العادات السائدة في المجتمع. فقد تساعد على حسن الاستغلال وقد تضره، وقد تميل إلى الحياد.
من الصفات التي تتفاوت فيها المجتمعات: مدى رعاية وتقدير المجتمع لأهمية النشاط الفردي. زيادته تدفع عامة أفراد المجتمع إلى مزيد من النشاط. ومن الصفات المتفاوتة: الثقة، فهي صفة مؤثرة في قدرة النجاح على تحقيق التنمية والتطور الاقتصادي وغير الاقتصادي لدى الأفراد. من الصفات: أخلاقيات الاجتهاد. مستوى تقدير ثقافة المجتمع للاجتهاد وحصول الفرد على تقدير لجهوده مؤثر فيه وفي الآخرين ومدى حرصهم على مزيد من الاجتهاد والإنتاج.
تساءل علماء كثيرون: لماذا كان ظهور الثورة الصناعية في بريطانيا وليس في غيرها؟ ولماذا تأثير هذه الثورة متفاوت بين المجتمعات في تأثرها؟ وقد وجد باحثون أن بنية المجتمع البريطاني آنذاك تطورت فيها صفات وقيم ساعدت على ظهور الثورة الصناعية.
وتطبيقا على بلادنا نرى أن شركات في بلادنا تنتشر فيها ثقافة تنظيمية تحفز على الإبداع والتميز وبيئة عمل تؤكد معدلات إنتاج عالية وكفاءة مرتفعة يحرص العاملون فيها على تحقيقها. طبعا سيقال رواتب هذه الشركات عالية. لكن الرواتب ليست كل شيء.
السؤال التالي: كيف نوسع دائرة هذه الثقافة في مجتمعنا قاطبة؟
موضوع طويل، لكنني أذكر نقاطا.
أولا: واجب الفرد أن يتعود ويعود من تحت رعايته ألا يستسلم إلى تقاليد وعادات يرى داخل نفسه أنها تضعف قيمة الاجتهاد والعمل وحسن استغلال الموارد. وعليه ألا يتعود على التبرير ورمي العيب على الآخرين. لا يقبل الله سبحانه في الآخرة الاحتجاج القائم على تبرير النفس. يقول سبحانه: "وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم" الآية.
ثانيا: التعليم. وهو موضوع طويل. وقد أولته الـ"رؤية" اهتماما خاصا.
ثالثا: استغلال المشاريع الكبرى التي تخطط الدولة لتنفيذها واستغلالها بشكل يسهم في تغيير سلوكيات غير حضارية. وسبق أن كتبت مقالا عن هذا عنوانه: "كيف نجعل القدية أداة لتغيير بعض السلوكيات"، وهو منشور في عدد "الاقتصادية" بتاريخ 30 نيسان (أبريل) 2018.
ونطمح أن تعمل في بلادنا دراسات وبحوث حول الموضوع تحت مظلة الـ"رؤية"، يشترك فيها علماء باحثون من تخصصات متعددة ذات علاقة، مثل الاقتصاد والاجتماع والتربية. ومن المفيد جدا أن تؤخذ مرئيات آخرين.
نقلا عن الاقتصادية