البيانات المالية واللغة المحاسبية هي اللغة التي تنصهر فيها جميع أعمال الشركات والمؤسسات التجارية. وسواء كانت الشركة تعمل في تربية المواشي أو في تقنية النانو تظل الأرباح والخسائر والأرقام هي اللغة التي يتواصل بها المستثمر مع الشركة. تقوم بعض الشركات ولأسباب كثيرة بعمليات تجميل لبياناتها المالية. ولكن السؤال المهم: هل اختلاف اللغة من الممكن أن يغير المضمون؟ بمعنى آخر هل «شكرا» باللغة الفرنسية ألطف منها باللغة البنغالية؟ وهل ترجمة كلمة «سحقا» باللغة العربية تختلف عن أصلها بالإنجليزية؟!!
في الواقع نعم فتجميل البيانات المالية هو خيال قد ينقلب إلى حقيقة على رأي المثل الأمريكي .»fake it till u make it» من ذلك التجميل ما هو محمود كما حصل حينما ألغي نظام التقييم وفقا لأسعار السوق (Mark to market)والذي وفر خسائر (محاسبية وليست حقيقية) للرهن العقاري تقدر بتريليون دولار خلال الأزمة. وعلى الرغم من أن ذلك التجميل كان محاسبيا وليس حقيقيا إلا أن آثاره كانت حقيقية لأنه أوقف أو ساعد على إيقاف كرة الثلج من الهبوط.
ومن ذلك التجميل ما هو مذموم كما يحصل لبعض الشركات المطروحة للاكتتاب والذي بالصدفة وبالصدفة المحضة فقط لا تضعف أسواقها وإيراداتها وأرباحها إلا بعد الطرح، أما قبل الطرح فما شاء الله نمو ممتاز وأرباح وسيولة ولا أروع!! عموما يختلف حجم التجميل من المكياج الخفيف إلى التكبير والتصغير. والمبالغة في التجميل لها عواقب وخيمة جدا على الاقتصاد وعلى الشركة نفسها ولعل أحد الأمثلة الأكثر وضوحا هو شركة إنرون، التي سقطت من كثرة عمليات التجميل كما أسقطت عمليات التجميل أنف مايكل جاكسون (رحم الله موتى المسلمين).
السؤال المهم: من هو المسئول عن محاسبة الشركات على أي تلاعب في بياناتها المالية؟ في الواقع لا توجد جهة مسؤولة عن دقة البيانات المالية، فالمدقق المالي ينص في أول صفحة من القوائم المالية المدققة على (إن القوائم المالية هي مسؤولية إدارة الشركة). وهيئة السوق المالية تقول (ولا تتحمل الهيئة أي مسؤولية عن محتويات هذه النشرة) والمستشار المالي يقول إن مسؤوليته تنحصر في المعلومات المقدمة له ونظام هيئة المحاسبين القانونيين مكون من 38 مادة لا تحوي إحداها على مسؤوليتها فيما لو قصرت في محاسبة أحد المراجعين القانونيين في أداء مهامه، ووزارة التجارة مشغولة جدا بمحاسبة أصحاب المشروبات الغازية في رفع سعرها نصف ريال. وإدارة الشركة تضع كل تلك الجهات أمامها وتردد المثل القائل «حط بينك وبين النار النار مطوع».
أتمنى من هيئة السوق المالية أن تأخذ زمام المبادرة وأن تتدخل بشكل أكبر في تحليل البيانات المالية للشركات وقراءتها بتدقيق أكبر ومساءلة الشركات عن أي تفاصيل مهمة أو خلق كيان من المحللين الماليين وإيجاد آلية ليستفيدوا من سلطة وصلاحيات الهيئة لمطالبة الشركات المساهمة بإيضاحات حول أي أرقام أو عمليات لا تعطي انطباعا دقيقا عما يحصل داخل الشركات.
لايوجد مسئول محدد ... لاننا نطبق الحديث الشريف (( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.. الحديث)) لذلك من كثرة الحرص على الرعية فانه من الطبيعي جدا ان يكون المدير المالي للشركة التي تنوي الطرح للاكتتاب مسئول عن الرعيه ولن يقدم بيانات مغلوطه لعموم النايمين (اقصد المساهمين) اللي راح يكتتبوا!!!! وزارة التجارة ، هيئة السوق، هيئة المحاسبين، جمعية المستهلك، البلدية، الجوازات, الغرفة التجارية,وزارة العمل, صندوق الموارد البشرية, التأمينات الاجتماعية, التقاعد, الاوقاف, هيئة الاتصالات,,,,,,,
القوائمُ المالية تحتوي على الكثيرِ من الأرقام .. بعضُها حقائقٌ (مثل المبيعات وراس المال والإحتياطيات) والبعضُ الأخر أراءٌ لإدارة الشركة (مثل المخزون والإهلاكات والمخصصات)!!! ... والشطارة بالتجوال في وسط غابة الأرقام هي الإعتماد على الحقائق وليس الأراء!!! .. المفروضُ أن يكون مدققُ الحسابات الخارجي راعي ذمة عندما يقول رأيه (.. وفي رأينا، أن القوائم المالية تظهر بعدل.. )!! ... وإلا فليضعْ تحفظاته على القةائم ويبري ذمته مع خالقه مثلما فعل المدقق/عبدالله بن شاهر القحطاني مع بيانات شركة بيشة الزراعية!!!!
المستثمر يتخذ قرارهـ بناءاً على القوائم المالية فإذا كانت مغلوطة فتكون النتيجة أيضاً مغلوطة