قبل أسابيع، طالب وزير العمل المنشآت بزيادة أجور العاملين. وهذا يجر إلى الحديث عن فكرة الأجر الأدنى، وتأثيره في مستوى التوظيف. وعكس التوظيف العطالة.
الأجر الأدنى هو أقل أجر يتقاضاه العامل حسب القانون، والهدف محاولة تحسين معيشة العاملين. وترجع بداياته في العصر الحديث إلى القرن الـ19، حيث طبقته دول. ولكل قانون استثناءات وحالات لا يطبق عليها، وأحيانا العكس، في فترات زمنية سابقة، حيث ركزت قوانينه على فئات من العاملين، ومن جهة أخرى قد يوجد أكثر من أجر أدنى، فمثلا، قد يستثني القانون مهنا بعينها أو أصحاب حرف معينة. وقد يفرق القانون بين حجم المنشآت، فيفرض أجرا أدنى في الشركات الكبيرة أعلى من الأجر الأدنى في المنشآت الصغيرة. وقد لا يوجد قانون، وإنما تفاهمات واتفاقات بين نقابات ومنشآت.
وهناك تعبير آخر، وهو أجر المعيشة living wage، ويعني أجرا يوفر أساسيات المعيشة، وأجر المعيشة أعلى من الأجر الأدنى.
يعد التوظيف قضية جوهرية من النواحــــــي كافـــــة، وعكــــــسـه العطالة، وتعد مستويات التوظيف مؤشرا اقتصاديا أساسيا في التعرف على أحوال الاقتصاد، ويدرس الاقتصاديون وغيرهم ضعف التوظيف للتعرف على أسبابه ولمساعدة الحكومة على تحسين سياساتها العامة المؤثرة في التوظيف وتشغيل العاطلين.
والحديث هنا لا علاقة له بالعاطلين الذين لا يعملون بإرادتهم ورغبتهم، أو أنهم في فترة انتقال من عمل إلى عمل، أو أنهم في فترة بحث قصيرة نسبيا، ومتوقع أن يجدوا عملا، وهذه صور من العطالة الطبيعية. وفي القياس الإحصائي هو ما يسمى أحيانا معدل العطالة التوازني على المدى البعيد أو معدل العطالة حالة التشغيل الكامل.
ما العلاقة بين الأجر الأدنى والتوظيف؟
من حيث المبدأ والأصل، زيادة الأجر الأدنى تخفض مستوى التوظيف، كما هو قانون العرض والطلب؛ ذلك أن ارتفاع سعر العامل يقلل الطلب عليه، ويعتمد قدر التأثر بمرونة الطلب أي استجابته للأجر الأدنى وضعا، أو زيادة، مقارنة بدونه. وتغير تكلفة التوظيف يؤثر ويغير في الطلب عليه. ويؤثر في مساعي إحلال عوامل إنتاج أخرى كالآلة والتقنية بدل العمل.
الكلام السابق من حيث المبدأ والأصل، لأن تلك العلاقة تتأثر بظروف مختلفة. وتبعا، وجدت خلافات ونقاشات بين علماء الاقتصاد، وسأركز على تفسير غير تقليدي.
لوحظ -على خلاف ما تقول به بعض النظريات الاقتصادية من خلال دراسات ترتكز على سلاسل زمنية قطاعية فيها مقارنة أسواق متأثرة وغير متأثرة- عدم وجود دليل على أن زيادة الأجر الأدنى بنسب معتدلة مثل 20 في المائة قد أدت إلى خفض مستوى التوظيف في أنشطة بعينها وأماكن بعينها. أي: إن التعميم لا يصلح.
النتيجة السابقة قامت على معطيات وتوصيفات بديلة بهدف التثبت من قوة النتيجة التي تم التوصل إليها.
من ضمن تلك الدراسات دراسة قديمة نسبيا أجريت على العاملين في قرابة 500 منشأة تعمل في بعض قطاعات الأكل السريع في ولايات شرقية مختارة للمقارنة، بعضها زيد فيها الأجر الأدنى وبعضها لم يزد.
Minimum Wages and Employment: A Case Study of the Fast-Food Industry in New Jersey and Pennsylvania
بل أكثر من ذلك. بينت تلك الدراسة أنه لا يوجد دليل على حدوث زيادة في أسعار منتجات منشآت، تبعا لزيادة الأجر الأدنى لموظفيها، ولوحظ أن أحد الأسباب قدرة منشآت على خفض الميزات غير الأجرية، مقابل زيادة الأجر الأدنى.
في الأخير التعميم صعب، معرفة طبيعة الأنشطة وأوضاعها وأوضاع الاقتصاد وأعمار العاملين والقوانين الحاكمة لها وللتوظيف والاستقدام كلها نقاط مطلوبة لفهم تأثير سياسة الأجر الأدنى أو زيادته، وكم نسبة الزيادة. والله الموفق.
نقلا عن الاقتصادية
اتفق معك