سوق الأسهم السعودية.. الفقاعة الكبرى والانهيار العظيم 2-2

05/03/2019 11
عبدالله الجعيثن

لم تتضح صورة ما حدث في سوقنا من ارتفاع صاروخي ثم سقوط عمودي.. لم تتضح كاملة بعد.. وربما تتكامل معالم الصورة يومياً ما؟! وما حدث يستحق التوثيق في كتاب من أدبيات الاقتصاد .. ويخطئ الذين يبسطون الأمور بمقارنة ما حدث في مؤشر سوقنا بما حدث في موشر "النيكاي" و"النازداك" فلا يوجد من جامع سوى اعتقاد الجميع في ذروة الارتفاع (أن وضعهم مختلف) ولكن تبقى فوارق جوهرية، فالأخيران مفتوحان وبالتالي توزعت الخسائر على العالم كله بينما ضربت خسائر سوقنا المواطنين فقط، ثم إن مسئولي الاقتصاد في أمريكا واليابان كانوا يطلقون التحذيرات الرسمية المتتابعة منذ خرج أول شكل لفقاعة صغيرة، ولا أذكر أنني سمعت (وقتها) تحذيرات جادة واضحة من مسؤولي الاقتصاد لدينا آن ذاك رغم أن الفقاعة ترتفع أمام أعينهم كل يوم، وكان الجيِّد منهم يدعو للاستثمار لا للمضاربة، مع أن الذي يدخل مستثمراً في عز الفقاعة أسوأ حالاً من المضارب الذي يفر بجلده حين يحس بحرارة النزول وكان نزول سوقنا هائل السرعة .. يضاف إلى هذا أن السياسة النقدية لدينا كانت متساهلة جداً والفقاعة تتشكل، فالبنوك تتسابق لمنح التسهيلات والقروض الشخصية  تنفخ في سوق الأسهم بدون تشديد للائتمان، كما لم تمنع هيئة سوق المال وقتها الشركات المدرجة من شراء الأسهم، وفعلت ذلك بعد اتجاه السوق إلى المنحدر الخطير مع إعطاء مهلة وضعت السوق على صفيح ساخن، وهناك ما هو أشد من ذلك كله وهو شح الطرح الأولي سنتي 2004 و 2005 مما جعل الأموال الهائلة أو كثير منها وهمية (تسهيلات وديون) تندفع للنفخ في أسعار الأسهم المحدودة والتي تمتلك الدولة ستين في المئة من حجمها، وحين طرح الاتحاد والبلاد للاكتتاب أقبل على ذلك ما يقارب عشرة ملايين نسمة (أكثر من نصف عدد سكان المملكة)، وكان مجرد رؤية عدد المكتتبين يجعل المسؤول يقفز من كرسيه فيطرح شركات كثيرة متواصلة للاكتتاب تمتص السيولة وتُعقِّل سوق الأسهم وتوفر فرص العمل وتضيف للناتج الوطني وكان هناك شركات كثيرة جاهزة للطرح ناهيك عن نصيب الدولة الضخم في معظم الشركات الكبرى..

القادمون الجدد

وحين اكتتب في الاتحاد والبلاد ما يقارب عشرة ملايين وتضاعفت أرباحهم ألف مرة خلال أقل من شهر، ظنوا أنهم وجدوا مصباح علاء الدين وعثروا على كنز كانوا عنه غافلين، فاندفعوا للشراء من السوق واقترض كثير منهم وركّب نفسه وعائلته الديون.. ومعظم هؤلاء القادمين الجدد ليس لديهم وعي اقتصادي أو معرفة بسوق الأسهم ومخاطرها الشديدة، كل ما يعرفونه أنهم اكتتبوا في شركة وربحوا ألف في المئة في شهر تقريباً، قاسوا على هذا فاندفعوا كالسيل العرم يملأون صناديق الأسهم السعودية بالأموال وبعضهم يقترض مرة أخرى من البنك بضمان ماله الموجود في صندوق البنك والمُقْتَرَض هو أيضاً.. دائرة رهيبة.. والبنوك ترحب وتتنافس على هؤلاء فعمولة الإقراض مرتفعة جداً، ورسوم الصناديق مربحة وعمولات الشراء والبيع تُمطر البنوك ذهباً وفضة، وهي تربح ولا تخسر، فمشاركتها في الصناديق لدى التأسيس ثم تنسحب أو يبقى لها مبلغ رمزي لا يهم!.. وبما أن البنوك لا تشترك في أصول صناديقها بمبالغ جادة (الربع مثلاً)، فإنها لم تكلف نفسها اختيار مديرين أكْفاء جداً وذوي خبرة طويلة، فالوقت يمر والوقت مال ومن مصلحة البنوك سرعة الشراء وسرعة تدوير أموال الصندوق لتزداد عمولتها بذلك، وإدارة البنوك للصناديق وهي الوسيط كان خطأ واضحاً وتصحيحه تأخر كثيراً، ولم يكن مديرو الصناديق بكفاءة المضاربين القدماء ولا بسرعتهم في اتخاذ القرار كما أنه لا يوجد لديهم الحافز الذاتي القوي جداً لدى المضاربين الكبار الذين يديرون أموالهم هم، فمديرو الصناديق - ببساطة - يديرون أموال غيرهم والرسوم والعمولات مضمونة في حالتي الربح والخسارة معاً.. لاحظ ذلك المضاربون الأذكياء وعرفوا أن مديري الصناديق يديرون أموالاً هائلة (تجاوزت وقتها مئة وخمسين مليار ريال) وأن مقياس أكثرهم مواكبة المؤشر بحيث لا يرتفع المؤشر أكثر من أداء الصندوق فرفع هؤلاء المضاربون أسعار الأسهم عليهم والصناديق تلاحقهم ثم رموها في (حلوقهم) لتخسر الصناديق أكثر من نصف موجوداتها المقيمة قبل 25فبراير 2006. إذن فلا بد أن يشارك مدير الصندوق (بنكاً أم شركة بعد الترخيص لشركات الاستثمار) بمبلغ جاد في رأس مال الصندوق لتكون الصناديق أكثر حرصاً وكفاءة وقدرة على إدارة المخاطر.

ضغط السيولة

ومن المفارقات أن ضغط السيولة الذي رفع السوق فوق الحدود وكوَّن الفقاعة الكبرى هو الذي أدى بالسوق للانهيار العظيم (نزل موشر سوق الأسهم السعودية من "20600" إلى 6700) خلال أقل من سنة (بنسبة 68%)، والصعود أصعب من النزول، فلكي يعود لرقمه الأعلى يجب أن يرتفع أكثر من مئتين في المئة!!

وضغط السيولة الذي دفع السوق لأقصى ارتفاع كان بسبب التسهيلات والقروض وشح الطرح الأولى وجهل القادمين الجدد بثقافة السوق وضعف الكفاءة لدى أكثر مديري الصناديق وعدم وجود الحافز الذاتي الشديد لديهم لأنها ليست أموالهم ولم يشاركوا فيها..

أما (ضغط السيولة) الذي دفع السوق إلى قاع المنحدر فقد بدأ بفعل المضاربين المحترفين والمستثمرين الخبراء الذين أخذوا يتخلصون من أسهمهم والسوق يرتفع وسحبوا سيولتهم من السوق فحصل النزول والضغط على أصحاب التسهيلات وكثر طلب السحب من الصناديق التي تُظهر نتائج سيئة أسبوعاً بعد أسبوع وطلبت هيئة سوق المال من الشركات المدرجة في البورصة بيع الأسهم التي اشترتها أو تصحيح أوضاعها بشروط صعبة فزاد ضغط السيولة باتجاه المنحدر، وكثر الحديث عن الاكتتابات الجديدة وجدولتها وأحس المتعاملون أنها تجثم فوق رؤوسهم.

سوء توقيت الاكتتابات

الاكتتابات الأولية غاية في الأهمية فهي تعني ببساطة توجيه الموارد النادرة (الأموال) للقطاعات المنتجة (الصناعة والمصارف والخدمات والاتصالات والتأمين والبناء والتشييد) عبر اكتتاب عام تُجمع فيه أموال كبيرة لتشييد تلك الصروح المنتجة المدروسة الجدوى، ولكن المهم أيضاً هو (التوقيت) فحين كان السوق يتلهف على اكتتابات جديدة كان الطرح الأولي شحيحاً جداً، وحين انحدر السوق وعزف الناس عنه كثرت الاكتتابات والحديث عن وفرة القادم منها، إن الأمر هنا يشبه أن تقدم مائدة حافلة لأناس جوعى فما ألذها وأصحها، ولكن أن تقدمها لأناس متخمين فهي تضر..

ضعف إدارات كثير من الشركات

وهذا عبء آخر انكشف وقت النزول، فكثير من الشركات كانت تعلن أرباحاً كبيرة مصدر أكثرها المضاربة في الأسهم وليس نشاط الشركة الرئيسي.. فالربح الجاد يحتاج إلى إدارة كفء وعمل جاد وصبر ومثابرة وهي (وقتها وربما الآن ايضا) لا تتوفر لدى كثير من مجالس الإدارة في شركاتنا مع الأسف، بل إن هم بعضهم أن يصل لمجلس الإدارة كهدف، ومن الغريب أن تأمين أسهم العضوية بعد الفوز لا يزيد عن ألفي سهم، مما يغري الكثيرين - على شكل مجموعات - بالسيطرة على الأصوات وبالتالي وصول المجموعة كاملة لمجلس الإدارة ثم بيع أسهمهم التي جمعت لهذا الهدف والاكتفاء بأسهم العضوية (وهو رمزي) ويكون هدفهم من ذلك إمَّا مجرد الوجاهة الاجتماعية وقد يكون هدف بعضهم الاستفادة من هذا المنصب بتوظيف الأقارب والمحاسيب والحصول على المكافآت والامتيازات والمضاربة على الأسهم وتبادل المعلومات مع أعضاء بعض الشركات الأخرى!.

وقد يكون لدى البعض مآرب أسوأ من ذلك وأبعد وبين يديه أموال المساهمين الذين أكثرهم لا يحضرون الجمعيات ولا يسألون، المهم أن بعض الشركات يصل إلى إدارتها من لا يحسنون الإدارة أصلاً لمجرد جمعهم أسهماً لهذا الهدف ثم بيعها بعد تحقيقه فيأخذون من الشركة ولا يعطونها شيئاً وكيف يعطونها - حتى مع حسن النية - وهم لا يجيدون الإدارة وفاقد الشيء لا يعطيه؟

هذا أيضاً من أسباب ارتباك بعض شركاتنا وخروج ميزانياتها مُجَمّلَة كأنّ عليها (مكياج) وهي لو حُلِّلت بدقة ومهنية لانكشف المستور، ومعالجة هذا الوضع يزيد الثقة في السوق.

إن خطورة ما مرّ به سوقنا من ارتفاع كبير ثم سقوط مروع قد أعطى دروساً قاسية ولكنها نافعة لكثير من المتداولين وتم تفعيل حوكمة الشركات وفتح السوق للأجانب وتحسين البيئة النظامية للتداول وتواجد مواقع تُسهم في توعية المتداولين من قبل هيئة سوق المال، وبعض المواقع الاقتصادية الجيدة وفي مقدمتها (موقع أرقام)

نقلا عن الرياض