حملت الأخبار أخيرا رغبة بنكي الأهلي والرياض في الاندماج، وهذان البنكان هما الأكبر بين المصارف السعودية من حيث رأس المال، ومعروف أن الدولة تملك حصة كبيرة من كلا البنكين، وتمتلك مؤسستا التقاعد نسبة جيدة من أسهم كل بنك. ولذا، سيعتمد القرار ضمن ما يعتمد على محصلة توجهات وسياسات الدولة ومؤسستي التقاعد.
عمليات الاندماج البنكي ليست جديدة، فهي ممارسة قائمة محليا وعالميا، ولكن ما آثارها وتأثيراتها؟
لكل فعل رد أو ردود فعل. هذا القانون ينطبق على التصرفات الاقتصادية، ومن النادر أن تكون ردود الفعل كلها حسنة أو كلها سيئة، والعبرة بالغلبة ومدى تحقق الأهداف. وهنا أستعرض باختصار ردود الفعل على التنافسية والتوظيف والربحية والنمو الاقتصادي، وكل واحد منها موضع اهتمام "رؤية 2030".
النقطة الأولى، التزاحم؛ أي وجود منافسة عالية تتجاوز ما يرى أنه الحد المرغوب فيه، وعكسها الانفراد، أو ما اشتهرت تسميته شعبيا "الاحتكار"، وبين الاثنين درجات ودرجات.
ليس في المملكة تزاحم بنكي، ولا انفراد؛ فعدد المصارف في المملكة أقل من 30، بما في ذلك مصارف غير سعودية مرخصة للعمل في المملكة، ولكن عدد المصارف في الإمارات قرابة 50، بسكان أقل من الثلث.
باختصار، في المملكة تنافسية بنكية، لكنها ليست عالية، ومن ثم هناك مصلحة في تأسيس مصارف جديدة.
هل التنافسية العالية دوما هي الأنسب؟
الأصل أنها الأنسب، ولكن من الصعب أن نقول دوما وفي كل زمان ومكان إنها الأنسب، وأحب التنبيه إلى أن كلامي لا علاقة له بالانفراد "الاحتكار" الطبيعي؛ أي إسناد السلطة إنتاج سلعة بعينها لمنتج واحد عمدا لأسباب موضوعية تتعلق بكون تكلفة إنتاج الوحدة الواحدة أقل من حالة تعدد المنتجين. و"الكهرباء" أشهر مثال.
تحقق التنافسية تكلفة أقل وجودة أعلى في إنتاج الوحدة، كما تحقق تنوعا أكثر ومناخا أفضل للتطوير والنمو، وتركزا أقل للثروات، وهذه كلها نقاط يعرفها عموم الإخوة القراء. ولذا، لن أستطرد أكثر فيها.
لكن هناك الجانب غير الحسن من بعض حالات في التنافسية. وقد أشار عالم الاقتصاد فشر قبل نحو قرن إليها؛ حيث ناقش افتراضين في التنافسية: الأول أن الفرد هو الأفضل في معرفه مصلحته، والآخر أن حرص كل فرد على تحقيق أعلى مصلحة له يحقق أعلى مصلحة للمجتمع. وطبعا المجتمع مركب من مجموع الأفراد. ناقش فشر أنه يمكن حدوث نوع من التعارض بين تحقيق المصلحة الخاصة والمصلحة العامة.
وعلى سبيل المثال: يمكن أن تسود جهالة مجتمعية حول بعض تفاصيل تخص سلعة ما. إذا ساعدت التنافسية على تقليل هذه الجهالة فهذا طيب، لكن من المحتمل في حالات أن تعمل التنافسية في إطار هذا الجهل بصورة ليست هي الأصلح للمجتمع.
لمن يرغب قراءة مزيد عن هذا الموضوع له أن يرجع إلى كتابات مثل بحث Is competition al ways good مجلة Journal of Antitrust Enforcement الصادرة في جامعة أكسفورد البريطانية الشهيرة.
هل اندماج بنكين أو أكثر يغلب عليه تحقيق الجانب الحسن أو لا يغلب؟ قضية من صميم اهتمام الجهات المعنية بالأمر.
خلاف التنافسية هناك موضوع التوظيف. هذا أمر مهم؛ حيث يتوقع كثيرون أن الاندماج سينتج عنه استغناء عن بعض الوظائف؛ وتبعا لذلك متوقع أن يكون عامة موظفي المنشآت المندمجة متخوفين على وظائفهم نتيجة الاندماج.
هل ينخفض عدد موظفي المصارف المندمجة بسبب الاندماج؟ أجريت في سنوات ماضية دراسات ومراجعات، وكانت النتيجة أنه لا ينخفض، بل بينت دراسات أنه قد زاد. والذي حدث أن عدد المصارف انخفض، لكن أعمالها زادت. والدراسة السابقة من ضمن هذه الدراسات.
لكن العالم يمر بتطورات وتغيرات تقنية بالغة التأثير في مختلف جوانب الحياة والاقتصاد، وتبعا لذلك قد ينخفض العدد نتيجة الاندماج ونتيجة تطورات تقنية، وقد ينخفض نتيجة التطورات التقنية فقط. ومن ثم يظن البعض أن الاستغناء عن موظفين بسبب الاندماج، وهذه حقيقة مشكلة في فهم طبيعة العوامل الاقتصادية. قد يتشارك عاملان في التأثير، لكن تحديد أيهما حدث أو ما قوة تأثير كل عامل يحتاج إلى نظر عميق.
هذا وقد أعطت بعض الدراسات مقترحات لاستراتيجيات ربما تعمل على تقليل مخاوف الموظفين من الاندماج.
وطبعا للسلطات النقدية المشرفة على المصارف، كمؤسسة النقد، تأثير في مجريات الأمور عبر سياسات تتخذها عند الموافقة على الاندماج، لكن على المدى البعيد قد تكون حالة الموظفين أفضل، نظرا إلى أنهم أصبحوا موظفي شركة أضخم وأكثر ربحية، وهذا عادة ينعكس إيجابا على موظفي الشركة.
عامل الربحية:
هل تزيد ربحية البنك الجديد مقارنة بمجموع ربحية المصارف المندمجة في حال لم يحصل اندماج أصلا؟ قضية درست، ومن هذه الدراسات: Consolidation And Profitability In The US Banking Industry, 2010 ونتيجة الدراسة أن العائد على الأصول زاد، لكن العائد على السهم لم يزد.
ما تأثير الاندماج في النمو الاقتصادي؟
انتهت بعض الدراسات إلى وجود علاقة إيجابية مهمة بين حجم أصول البنك والناتج المحلي الإجمالي، وعدم وجود علاقة مهمة بين حجم الإيداعات والناتج المحلي الإجمالي، والموضوع في حاجة إلى مزيد تمحيص.
وتمنياتي للجميع بعام جديد أفضل، وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
عمليات الاندماج البنكي ليست جديدة، فهي ممارسة قائمة محليا وعالميا، ولكن ما آثارها وتأثيراتها؟
لكل فعل رد أو ردود فعل. هذا القانون ينطبق على التصرفات الاقتصادية، ومن النادر أن تكون ردود الفعل كلها حسنة أو كلها سيئة، والعبرة بالغلبة ومدى تحقق الأهداف. وهنا أستعرض باختصار ردود الفعل على التنافسية والتوظيف والربحية والنمو الاقتصادي، وكل واحد منها موضع اهتمام "رؤية 2030".
النقطة الأولى، التزاحم؛ أي وجود منافسة عالية تتجاوز ما يرى أنه الحد المرغوب فيه، وعكسها الانفراد، أو ما اشتهرت تسميته شعبيا "الاحتكار"، وبين الاثنين درجات ودرجات.
ليس في المملكة تزاحم بنكي، ولا انفراد؛ فعدد المصارف في المملكة أقل من 30، بما في ذلك مصارف غير سعودية مرخصة للعمل في المملكة، ولكن عدد المصارف في الإمارات قرابة 50، بسكان أقل من الثلث.
باختصار، في المملكة تنافسية بنكية، لكنها ليست عالية، ومن ثم هناك مصلحة في تأسيس مصارف جديدة.
هل التنافسية العالية دوما هي الأنسب؟
الأصل أنها الأنسب، ولكن من الصعب أن نقول دوما وفي كل زمان ومكان إنها الأنسب، وأحب التنبيه إلى أن كلامي لا علاقة له بالانفراد "الاحتكار" الطبيعي؛ أي إسناد السلطة إنتاج سلعة بعينها لمنتج واحد عمدا لأسباب موضوعية تتعلق بكون تكلفة إنتاج الوحدة الواحدة أقل من حالة تعدد المنتجين. و"الكهرباء" أشهر مثال.
تحقق التنافسية تكلفة أقل وجودة أعلى في إنتاج الوحدة، كما تحقق تنوعا أكثر ومناخا أفضل للتطوير والنمو، وتركزا أقل للثروات، وهذه كلها نقاط يعرفها عموم الإخوة القراء. ولذا، لن أستطرد أكثر فيها.
لكن هناك الجانب غير الحسن من بعض حالات في التنافسية. وقد أشار عالم الاقتصاد فشر قبل نحو قرن إليها؛ حيث ناقش افتراضين في التنافسية: الأول أن الفرد هو الأفضل في معرفه مصلحته، والآخر أن حرص كل فرد على تحقيق أعلى مصلحة له يحقق أعلى مصلحة للمجتمع. وطبعا المجتمع مركب من مجموع الأفراد. ناقش فشر أنه يمكن حدوث نوع من التعارض بين تحقيق المصلحة الخاصة والمصلحة العامة.
وعلى سبيل المثال: يمكن أن تسود جهالة مجتمعية حول بعض تفاصيل تخص سلعة ما. إذا ساعدت التنافسية على تقليل هذه الجهالة فهذا طيب، لكن من المحتمل في حالات أن تعمل التنافسية في إطار هذا الجهل بصورة ليست هي الأصلح للمجتمع.
لمن يرغب قراءة مزيد عن هذا الموضوع له أن يرجع إلى كتابات مثل بحث Is competition al ways good مجلة Journal of Antitrust Enforcement الصادرة في جامعة أكسفورد البريطانية الشهيرة.
هل اندماج بنكين أو أكثر يغلب عليه تحقيق الجانب الحسن أو لا يغلب؟ قضية من صميم اهتمام الجهات المعنية بالأمر.
خلاف التنافسية هناك موضوع التوظيف. هذا أمر مهم؛ حيث يتوقع كثيرون أن الاندماج سينتج عنه استغناء عن بعض الوظائف؛ وتبعا لذلك متوقع أن يكون عامة موظفي المنشآت المندمجة متخوفين على وظائفهم نتيجة الاندماج.
هل ينخفض عدد موظفي المصارف المندمجة بسبب الاندماج؟ أجريت في سنوات ماضية دراسات ومراجعات، وكانت النتيجة أنه لا ينخفض، بل بينت دراسات أنه قد زاد. والذي حدث أن عدد المصارف انخفض، لكن أعمالها زادت. والدراسة السابقة من ضمن هذه الدراسات.
لكن العالم يمر بتطورات وتغيرات تقنية بالغة التأثير في مختلف جوانب الحياة والاقتصاد، وتبعا لذلك قد ينخفض العدد نتيجة الاندماج ونتيجة تطورات تقنية، وقد ينخفض نتيجة التطورات التقنية فقط. ومن ثم يظن البعض أن الاستغناء عن موظفين بسبب الاندماج، وهذه حقيقة مشكلة في فهم طبيعة العوامل الاقتصادية. قد يتشارك عاملان في التأثير، لكن تحديد أيهما حدث أو ما قوة تأثير كل عامل يحتاج إلى نظر عميق.
هذا وقد أعطت بعض الدراسات مقترحات لاستراتيجيات ربما تعمل على تقليل مخاوف الموظفين من الاندماج.
وطبعا للسلطات النقدية المشرفة على المصارف، كمؤسسة النقد، تأثير في مجريات الأمور عبر سياسات تتخذها عند الموافقة على الاندماج، لكن على المدى البعيد قد تكون حالة الموظفين أفضل، نظرا إلى أنهم أصبحوا موظفي شركة أضخم وأكثر ربحية، وهذا عادة ينعكس إيجابا على موظفي الشركة.
عامل الربحية:
هل تزيد ربحية البنك الجديد مقارنة بمجموع ربحية المصارف المندمجة في حال لم يحصل اندماج أصلا؟ قضية درست، ومن هذه الدراسات: Consolidation And Profitability In The US Banking Industry, 2010 ونتيجة الدراسة أن العائد على الأصول زاد، لكن العائد على السهم لم يزد.
ما تأثير الاندماج في النمو الاقتصادي؟
انتهت بعض الدراسات إلى وجود علاقة إيجابية مهمة بين حجم أصول البنك والناتج المحلي الإجمالي، وعدم وجود علاقة مهمة بين حجم الإيداعات والناتج المحلي الإجمالي، والموضوع في حاجة إلى مزيد تمحيص.
وتمنياتي للجميع بعام جديد أفضل، وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
عرض جيد جدا ، وجميل لو تضمن في نهايته رأيا في الاندماج الذي حملته الأنباء