سوق العمل في المملكة من أكبر الأسواق في العالم، حيث تصل القوى العاملة الوطنية إلى أكثر من ثلاثة ملايين عامل بينهم حوالي 1.8 مليون بالقطاع الخاص، كما يجذب أكثر من عشرة ملايين عامل وافد، ولذلك يعد من أهم الوجهات للعمالة الأجنبية عالمياً، بل إن حوالات العمالة الوافدة من السعودية تضعها بالمرتبة الثانية بين الدول بعد أميركا وبحجم يصل إلى حوالي 140 مليار ريال سنوياً.
تشرف وزارة العمل والتنمية الاجتماعية على السوق وتضع الضوابط والتشريعات التي تسعى من خلالها لتحسين بيئة العمل وضمان الحقوق للعامل وللمنشأة وكانت إلى وقت قريب هي من يدير ما يمكن تسميته بالمحاكم العمالية قبل أن يبدأ نقلها لتصبح تابعة لوزارة العدل، لكن هل يمكن تحميل الوزارة كافة الأدوار التي تخص السوق من رقابة وإشراف وتنظيم وتفتيش وحفظ حقوق ودور بمعالجة البطالة؟ الجواب بالتأكيد لا، إذ يجب أن ننظر إلى حاجة سوق العمل لعملية تنظيمية تتوزع فيها بعض مهام الوزارة على جهات يفترض أنها أقدر تنفيذياً لتلعب دور محامي الدفاع عن حقوق العامل تحديداً.
فإذا كانت وزارة التجارة تنظّم عمل المنشآت وتوفر لها ما يساعدها لإنجاز أعمالها فإن الغرف التجارية أيضاً تمثِّل صوت القطاع الخاص والمدافع عن مصالحه وتوصل ما يواجهه من تحديات للجهات المعنية بالإضافة لخدمات عديدة، لكن العامل وهو رأس المال البشري والمهم لكل منشأة تعد وزارة العمل بكل ما عليها من أدوار هي من يتولى دور الحامي لحقوقه كممثل للحكومة بالتعاون مع جهات أخرى حسب الحاجة، إلا أنها تعد ملاذه الأول لحماية حقوقه رغم أنها يفترض أن تكون على مسافة واحدة من كل الأطراف بالسوق أي أن يكون دورها تشريعي تنظيمي رقابي.
وبذلك فإن تفعيل دور «اللجان العمالية» التي اعتمد تأسيسها من مقام مجلس الوزراء عام 1432 هجرية هي الجهة الأنسب لكي تحمي حقوق العامل وتتدخل لدى المنشأة مبكراً لتصحيح أي خلل يفقد العامل حقوقه أو يمنع عنه ما يستحقه من تطوير وتحفيز وحماية الأجور والوقوف بوجه المنشأة في حال أرادت تطبيق أنظمة تعسفية أو ما يؤدي لفصل العامل دون وجه حق أو إذا أرادت القيام بهيكلة للوظائف أو خفض للأجور أو تقليص بالمزايا، فرغم أن بعض الشركات شكّلت لجاناً صورية لكن فعلياً لم يطبّق النظام حتى الآن كما جاء في مضمونه والذي حدّد أن أي منشأة عدد عمالها 100 وأكثر تشكل فيها لجنة عمالية، فتطبيق هذا النظام ما زال بعد مرور ثماني سنوات خياراً وليس إجباراً أما أهمية تفعيل هذا القرار فيكمن في أخذ دور حيوي لجهة تتفرّغ لحماية حقوق العمال وتكون مرجعية الأنظمة والتشريعات ما تقرّه وزارة العمل شريطة أن تكون اللجنة العليا المنظمة لهذه اللجان منفصلة عن وزارة العمل حتى يتحقق التوازن والاستقلالية وتكون جهة ذات صلاحية وقوة تساند وزارة العمل بتنظيم السوق فيما يخصها من مسؤوليات.
اللجان العمالية نظام أقر واعتمد ووضعت له ضوابط أولية لكنه ما زال دون تفعيل حقيقي وإلزام لكل منشأة حسب ما حدّده النظام، وقد ذكرت وزارة العمل مؤخراً عندما أعلنت عن مبادراتها 68 أن من بينها ما يخص اللجان العمالية إلا أنه من الضروري الإسراع بتفعيل دور اللجان والبدء بإلزام الشركات بتطبيق هذا النظام المهم والحيوي لتطوير بيئة سوق العمل وحفظ الحقوق فيه.
نقلا عن الجزيرة