الغش التجاري آفة عالمية، تعاني منها كل الدول؛ فخلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام تم ضبط «34» مليون سلعة مغشوشة بالسوق المحلي، تبلغ قيمتها نحو نصف مليار ريال، وذلك وفق إحصاء أعلنته وزارة التجارة والاستثمار بالتزامن مع خبر تكريم معالي الوزير لموظفي الرقابة والتفتيش بالوزارة، وكذلك المواطنون المتعاونون في مكافحة الغش التجاري.
لكن الإحصاءات والتقارير التي تصدر عن حجم الغش التجاري بالسوق المحلي تشير لبلوغ حجمه ما بين 30 و40 مليار ريال سعودي سنويًّا، أي ما يعادل 10 % تقريبًا من حجم قطاع التجزئة، أي إن ما تم ضبطه لا يعادل بقيمته أكثر من 1.25 % من حجم قيمة السلع المغشوشة. وتتنوع هذه السلع بين غذائية ومستحضرات تجميل وملابس وعطورات وأجهزة كهربائية وأثاث وقطع غيار سيارات، وكذلك أجهزة بمختلف أنواعها ومواد البناء.. أي إن الغش يدخل بأنواع السلع كافة، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا على السوق الاستهلاكية، وبالأخص المستهلك، سواء كان فردًا أو جهة اعتبارية.
فالخسائر ليست مادية فقط، بل صحية. وقد تتسبب بعض هذه السلع في أضرار صحية قاتلة، مثل الأجهزة أو التوصيلات الكهربائية المغشوشة التي قد تشتعل بسبب سوء صناعتها، وتسبب حرائق مدمرة، إضافة إلى الغش بمواد البناء الذي قد يضر بعمر وصلاحية مبانٍ ومرافق خاصة وعامة.. أي إن الخسائر فادحة، ولا تقف عند قيمة السلع المغشوشة المقدرة بما يقارب 40 مليار ريال، بل يعد هذا المبلغ هدرًا لجيب المستهلك، يقابله كثرة استهلاك هذه السلع. أي إنه ستكلفه ضعف ما يشتريه من سلع مغشوشة، إضافة إلى أضرار جسيمة، تتعلق بالصحة العامة، لا تقدر بثمن. كذلك قطع غيار السيارات قد تتسبب في حوادث قاتلة.. فحجم الخسائر بالاقتصاد لا يقف عند قيمة السلع المغشوشة. ولو قامت جهة، مثل وزارة للتجارة أو هيئات المواصفات والمقاييس أو الغذاء والدواء، بحساب التكلفة الحقيقية لأثر الغش التجاري على الاقتصاد الوطني لوصل المبلغ لمائة أو مائتي مليار ريال إذا ما توسعت دائرة الإحصاء؛ لتشمل كل أثر يصيب المستهلك من تلك السلع المغشوشة.
إن القضاء على السلع المغشوشة يبدو أمرًا مستحيلاً عالميًّا، إنما تهدف الدول لتقليل حجمها بقدر الإمكان عبر وسائل عديدة، وتعاون بين المستهلك والجهات المعنية.. لكن لا بد من التركيز على المنافذ الحدودية، وتطوير إمكانيات أجهزة الجمارك والمواصفات والغذاء والدواء باستمرار مع رفع المعايير للمواصفات؛ لكي تحد من دخول السلع المغشوشة المستوردة، وكذلك في السوق الداخلي عبر بعض الهيئات. ويضاف لها وزارة الشؤون البلدية والقروية بتطوير المخابر وأجهزة التفتيش؛ لكي تتمكن من ضبط المنتج المحلي، وكذلك الخدمات المقدمة للمستهلك. فالغش التجاري لا يقتصر على السلع، بل يصل للخدمات أيضًا. ولا بد من تطوير أجهزة الرقابة من خلال التأهيل والتدريب المستمر للموظفين بالأجهزة المعنية كافة، وتحسين المحفزات المادية لهم، إضافة إلى إشراك المجتمع للمدني بالرقابة الفاعلة عبر تطوير جمعية حماية المستهلك؛ ليكون لها دور حقيقي وفاعل، وفروع بالمدن كافة بإمكانيات وصلاحيات واسعة ومساندة لعمل بقية الجهات الحكومية المعنية، مع تغليظ العقوبات لردع المخالفين.
نقلا عن الجزيرة