يعد بل جيتس B.Gates مؤسس "ميكروسوفت" من أشهر من يهتم بالقراءة، لكنه نادرا ما ينشر مراجعه لكتاب، لذلك لفتت نظري مراجعته كتاب Capitalism without Capital وعنوانه الفرعي: "أهمية الاقتصاد غير الملموس" لمؤلفيه البريطانيين جونثان هسكل وستيان وستليك. لذلك، قرأت الكتاب ورأيت عرضه لما فيه من فائدة. يبدأ الكتاب بتوصيف ظاهرة الاستثمارات غير الملموسة؛ إذ إن هذه هي قلب الاقتصاد غير الملموس. تتميز هذه الاستثمارات بعدة خصائص في طبيعة الأصول: أولى خصائصها أنها Sunken Cost - أصول غارقة - بمعنى أنه يصعب بيعها بعد أن تبدأ الاستثمار فيها في اختلاف عن الأصول غير الملموسة؛ إذ يصعب أن تبيع ربع برنامج أو تطبيق أو جزءا من براءة اختراع، الثانية سهولة انتقال المنفعة من الأصول، فأي تغيير بسيط في الاختراع قد يبطل براءته أو تغيير بسيط في التصميم، الثالثة أنها قابلة للتوسع دون تكلفة تذكر، والرابعة أن هناك درجة عالية من التضافر بين أجزائها، فمن دون التعاضد يصعب استعمال أجزائها. هذه الخصائص تجعل الاقتصاد غير الملموس يتحرك ويتفاعل ويتصرف بطريقة مختلفة.
ومجمل هذه الاختلافات في الخصائص يبعث تحديات في المساواة في الدخل، فأحد إفرازات الاقتصاد غير الملموس أن المنتصر يأخذ كل الكعكة. هناك أيضا هياكل تمويل مختلفة، وكذلك بنية تحتية تختلف في تكوينها وتسعيرها وتركيزها جغرافيا. رغم أن الكتاب لا يسعى إلى شرح لماذا تطور الاقتصاد غير الملموس على حساب الملموس تدريجيا وبثبات، إلا أنه يذكر الظاهرة الاقتصادية، التي تقود التوجه نحوه، فمركز اهتمام الكتاب أن تتبع الظاهرة وتأثيرها الأوسع في الاقتصاد كله. في العرض الأول، نتطرق إلى تعريف بالكتاب وأهدافه، وذكر الخصائص الرئيسة، ومن ثم نعرض الكتاب تباعا. هناك ظاهرة اقتصادية تقوم على أن إنتاجية القطاع الصناعي تزيد بنسبة أعلى من إنتاجية قطاع الخدمات؛ لأن "الأتمتة" والتوفير في الأيدي العاملة يخدم القطاع الصناعي أكثر؛ وهذا يعني أنه مع الوقت، فإن الخدمات التي تعتمد أكثر على الأيدي العاملة تصبح أكثر تكلفة نسبيا من المنتجات المصنعة. أغلب الاستثمارات الملموسة مصنعة "هناك دائما بعض النواحي غير الملموسة"، بينما الاستثمارات غير الملموسة أغلبها يقوم على دور الأيدي العاملة، مثل الأبحاث والتصاميم والبرمجة "هناك دائما بعض النواحي الملموسة". قد يعتقد بعضهم أن الحاسبات هي السبب، لكن الكتاب يذكر أن الظاهرة بدأت قبل ذلك، وإن ساعد ظهور الحاسبات لاحقا.
لوضع الأمور في الإطار الصحيح لا بد من القياس والمقارنة، فالدول الأكثر قيودا على التوظيف هي الأكثر استثمارا في الاقتصاد الملموس كنسبة من الدخل القومي الإجمالي. فمثلا إيطاليا أكثر من أمريكا، والدنمارك أكثر من بريطانيا. والعلاقة بين الاستثمار في الاقتصاد غير الملموس ومرونة سوق العمل إيجابية، كما أن لها علاقة إيجابية بمستوى المخاطر المقبول في وسط الأعمال والمجتمع. أخيرا، هناك علاقة بين حجمها وحجم الاقتصاد من ناحية، والقيود على التجارة والأعمال من ناحية أخرى. كذلك نسبة الاستثمارات من الدخل القومي أعلى في الدول المتقدمة، وهذا قد يبدو بدهيا إذا قبلنا أن الأجور أعلى والبنية التحتية مختلفة معرفيا. هناك توجه في تزايد الاستثمارات غير الملموسة على حساب الملموسة، حتى إنها وصلت في نهاية التسعينيات إلى أعلى من الملموسة في أمريكا، لأول مرة في دولة متقدمة. هناك ما يشير إلى استمرار التوجه، ولذلك علينا متابعة تطوره، ومحاولة تسخيره بما يخدمنا. في الأسبوع المقبل نستعرض نواحي القياس وما يترتب عليها.
نقلا عن الاقتصادية
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
مقال متميز من كاتب متميز ...بانتظار الاجزاء القادمة ...يعطيك العافية ملاحظة عابرة ....الناتج القومي Gross National Product ....اقترح ترجمتها بالناتج الوطني الاجمالي .....لان المفردة اصلا من الترجمة المصرية ومرتبطة بالابعاد الثقافية للحقبة الناصرية وليست ترجمة دقيقة ....وقد ترون الاشارة للناتج المحلي فهو افضل ..... الافضل استبدالها بالناتج المحلي GDP .....تحياتي لفكركم النير
اخي شاري رأسي مداخلتك دائما مفيده و ملاحظتك جيده . اتفق معك . العاده الاقتصاديين يفرقون بين القومي ( الإنتاج) و national الوطني ( income). ولكن التعقيب الاجتماعي مفهوم