من يراقب الوضع الحالي لدينا في قطاع الإسكان، وما تمت صياغته من رؤية مستقبلية لهذا القطاع، يجد أمامه في الواقع نوعين، أو بالأحرى مستويين من الاستراتيجيات، الأولى على المستوى الوطني، ويطلق عليها «الاستراتيجية الوطنية للإسكان»، بينما الثانية هي على المستوى المحلي، ــ على الأقل ــ في العاصمة الرياض التي يقطنها نحو ربع سكان المملكة، وتستحوذ كذلك على أكثر من خمسة وعشرين في المائة من طلبات الراغبين في الحصول على الدعم السكني الحكومي، حيث نجد أن هناك «استراتيجية الإسكان»، التي جرى إعدادها ضمن مشروع المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض، ولا يستعبد أن تكون الحال كذلك في مخططات استراتيجية شاملة أخرى، تم الانتهاء من إعدادها لبعض مدن المملكة.
استراتيجية الإسكان المحلية في مدينة الرياض، هي بلا شك سابقة للاستراتيجية الوطنية للإسكان، فهي من نواتج المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض منذ أكثر من عشرين عاماً، بينما الاستراتيجية الوطنية للإسكان لم يعلن عنها إلا منذ بضع سنوات، ولا أعلم أن كانت الاستراتيجية الوطنية للإسكان قد أخذت في اعتبارها استراتيجيات الإسكان المحلية، أو حرصت على الأقل في أن تتكامل معها، ناهيك عن دعم البرامج التنفيذية لتلك الاستراتيجيات المحلية.
الاستراتيجية الوطنية للإسكان، تقوم في الأساس، على اعتبار أن الجانب الحكومي دوره تنظيمي بالدرجة الأولى، يركز على اللوائح والأنظمة والضوابط ذات الصلة بالإسكان، وتهيئة المناخ الملائم للقطاع الخاص لأداء دوره في بناء مساكن مناسبة، وبأسعار ذات تكلفة ميسرة للأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض، وتيسير تمويل الإسكان عبر البنوك التجارية وشركات التمويل، من خلال تخفيض هامش الربح للقروض السكنية، إضافة إلى الضمان لتلك القروض، في حين أن الاستراتيجيات المحلية تكون أكثر من حيث التفاصيل في هذا الجانب، حيث تشمل في غاياتها وسياساتها كلاً من المناطق والأحياء السكنية القائمة والمستقبلية، وتحديد المستهدف منها في كل من المخطط الهيكلي والمخططات الأكثر تفصيـلاً من ذلك ووضع المؤشرات اللازمة لقياس مستوى تحقيق الغايات لهذه الاستراتيجية.
إن أهمية الربط بين كل من الاستراتيجيات الوطنية والمحلية للإسكان، وضمان التكامل فيما بينها تطرح في الواقع فكرة تبني اللا مركزية لدينا في قطاع الإسكان، فاللا مركزية كما هو معروف نوع من أساليب التنظيم الإداري الذي يرمي إلى منح بعض الصلاحيات في اتخاذ القرار للأجهزة المحلية، وذلك بما يتفق والمسؤوليات المناطة بها، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، فتبني نواة تطبيق هذا المقترح في مدينة الرياض بين كل من وزارة الإسكان والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، سيؤدي إلى تفرغ الأولى لرسم السياسة العامة والتنظيم لقطاع الإسكان على المستوى الوطني، وفي ذات الوقت تمكن الهيئة (الجهاز المحلي) من تنفيذ برامجها التنموية شبه المعطلة في مجال الإسكان بمعدل أسرع، وعلى نحو أكثر كفاءة، واستجابة لحاجات وظروف المجتمع المحلي، هذا بخلاف ما قد ينشئه ذلك من تعزيز روح التنافس في مرحلة لاحقة ــ حين التوسع في هذا المقترح ــ بين وحدات الإدارة المحلية المتمثلة في هيئات التطوير الآخذة حالياً في الانتشار وإشاعة التنمية.
نقلا عن الرياض