إن واحدة من أشهر أدوات التحليل الاستراتيجي للمنافسة هي نظرية اللعبة Game Theory وهي تمتاز بتغطيتها لتفاعلات المنافسين "المتوقعة" جراء أي قرار من قبل أحدهم، وعلى عكس نظرية القوى الخمس لمايكل بورتر The Five Forces التي يعاب عليها أنها لا تغطي التفاعلات ولا ردة الفعل من قبل المنافسين، ولعل أشهر مثال يدرس دائما لنظرية اللعبة هو مثال معضلة السجناء The Prisoners’ Dilemma التي بإمكان أي شخص أن يقرأ عنها، لكن هنا في هذا المقال سأركز بشكل أساسي على التصرفات والأدوات التي من الممكن أن تنتج عن فرضية أو نظرية اللعبة وتستخدمها الشركات مع المنافسين لمعالجة ظروف السوق والمنافسة، وهي تنتج كتفاعل استراتيجي منها، وهي خمسة تصرفات: التعاون، الردع والترهيب، الالتزام، تغير قواعد اللعبة وأخيرا التلميح والإشارة.
التعاون Cooperation، إحدى أهم الأدوات والتصرفات الاستراتيجية التي تنتج عن هذه النظرية، حيث يتم تعاون المتنافسين تجاه السوق والمنافسة حتى لا يكون هنالك ضحايا وإن خسروا بعض الامتيازات السابقة. ولعل أبرز مثال لها التعاون برفع أو خفض سعر المنتج، بحيث يتعاون المتنافسون بإجراء خفض لسعر بشكل متقارب حتى لا يدخلوا في حرب أسعار محرقة ومهلكة لهم، وهذا يحدث كثيرا في قطاع المشروبات مثل اتفاق "بيبسي وكوكاكولا" حول السعر وتجنيب خسائر في منافسة أسعار، أو ما يحدث في سوق الألبان في السعودية، وهو خيار قد يحدث مثلا "لأوبر وكريم" مستقبلا.
الردع والترهيب Deterrence. تقوم الشركات أو أي متنافسين بخيار الردع وترهيب الآخرين حتى يجبروا المنافس على اتخاذ الخطوة التي يريدونها منه سواء بالخروج من السوق أو غيره. من الأمثلة على ذلك شركة مونسانتو "شركة تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية الزراعية" التي كانت تملك براءة اختراع للمحليات الصناعية، عندما قارب تاريخ انتهاء البراءة وبالتالي السماح لجميع الشركات بالتصنيع، استعملت خيار الترهيب عبر استثمارها الضخم في توسيع خطوط الإنتاج لطاقة إنتاجية هي فعليا لا تحتاج إليها لكن هي أرادت ردع الآخرين من دخول السوق.
كذلك كمثال آخر وهو سباق التسلح النووي السابق بين أمريكا والاتحاد السوفياتي، كان لردع الآخر من خيار استعمال القوة ضده. لكن لا يمكن لهذا التصرف أن يأخذ أثره إلا إذا كان فعلا قابلا للتطبيق، فمثلا عندما أرادت شركة جيليت ردع وترهيب شركة كنج أوف شيفز King of Shaves القادم الجديد إلى سوق شفرات الحلاقة البريطانية، التي كانت مسيطرا عليها بشكل شبه كامل من قبل العملاق "جيليت"، أعلنت كتصرف رادع التهديد بحرب خفض الأسعار، وهو قرار كان الجميع يعلم أنه من الصعب أن تستمر الشركة في تطبيقه ولهذا انتهت استراتيجيتها بالفشل التام.
الالتزام Commitment أحد التصرفات الاستراتيجية التي تعمد إليها الشركات لتثبت للجميع التزامها الكامل بقرار ما يؤثر في المنافسة. كمثال عندما أعلنت شركة إيرباص مشروعها الكبير والجديد الذي تعتقد الشركة أنه سيغير صناعة الطيران "إيرباص A380" ولكي تتخطى الشركة الفترة الحرجة ما بعد الإعلان والشكوك حول الجدية ولتثبت التزامها بالمشروع، قامت بحملة تسويقية ضخمة جدا ما بين عامي 2000 و2002 على شركات الطيران رغم أن المشروع في بدايته، بل لم يتخط مرحلة التصميم في الأساس، وهو ما حدا بشركة بوينج إلى التخلي عن مشروع مماثل لعدم استيعاب السوق للمنافسة بهذا النوع من الطائرات.
تغير هيكلة وقواعد اللعبة. يعتبر خيارا وتصرفا أكثر ابتكارا مما سبق بحيث تقوم الشركات بمحاولة ابتكار حل آخر إما بالتعاون أو بالاتفاقيات أو الاندماجات والاستحواذ ما يؤدي إلى تغير هيكلة المنافسة، فتقوم بتحويل خيارات "الخسارة ــ ربح" أو "الخسارة ــ خسارة" إلى "ربح ــ ربح"، مثال على ذلك عندما تنافست شركتا Norfolk وCSX للاستحواذ على شركة Conrail كانتا أمام عدة خيارات جميعها فيها منافسة ومزايدة على السعر والقيمة فبالتالي الجميع يخسر، اتفقت الشركتان على الدخول متحدتين وشراء الشركة مناصفة وبالتالي تم الاستحواذ بسعر ممتاز لهما وبالتالي ربح الجميع بدل المنافسة القاتلة. أو مثل "أوبر ودودي" في الصين فبدل المنافسة الشرسة الشهيرة بينهما على الأسعار والسوق اتخذت الشركتان قرارا أن تخرج "أوبر" من السوق عبر استحواذ "دودي" عليها بمقابل أسهم لـ"أوبر" في شركة دودي. وكذلك هنالك أدوات تستخدمها الشركات أكثر ابتكارا مما سبق، وهي إيجاد منافس جديد لها، حيث تجد الشركة أنه من الأفضل إيجاد منافس حتى لا تستمر السوق محتكرة، وبالتالي تتزايد المخاوف من محتكر السوق، ولعل أبرز أمثلتها شركة إنتل الشهيرة التي قررت أن تعطي رخصة عمل أحد معالجاتها المحتكرة إلى شركة أخرى بحيث تقلل مخاوف ومخاطر عملائها من احتكار التصنيع، وفي الوقت نفسه تشجع عملاءها "وهي الشركات المصنعة للكمبيوترات" على تبني واستخدام هذا المعالج الجديد بعد فك الاحتكار.
التلميح والإشارات Signaling. يستخدم كثير من الشركات هذا الأسلوب لتوصيل رسالة للسوق تهدف منها إلى توجيه المنافسين نحو اتجاه أو اتخاذ قرار معين. هذا الأسلوب كان يستخدم كثيرا أثناء الحروب، فمثلا الإنجليز كانوا يرسلون رسائل مزيفة يعلمون أن الألمان سيحصلون عليها وبالتالي يتم تحركهم في الاتجاه الذي خطط له الإنجليز بينما هم اتجهوا إلى موقع مختلف تماما. وفي عالم الشركات، تعمد الشركات إلى إرسال رسائل للسوق تتصف بالعدائية والقوة والشراسة ضد المنافسين المهددين لها تحمل صيغ التهديد لحماية حصصها السوقية. إن بناء هذا النوع من السمعة بالعدائية والشراسة دفاع عن السوق مفيد جدا للشركات التي تعمل في عدة أسواق ومنتجات، فمثلا شركة بروكتر آند جامبل التي تعمل في أسواق كثيرة عملت على إعطاء رسائل قوية حول دفاعها عن حصتها السوقية في إحدى أسواقها وهي سوق حفائض الأطفال ومنظفات البيوت التي أسست لسمعة انتشرت لها أنها قوية وشرسة في حفاظها على حصتها السوقية بحيث أفادتها في جميع أسواقها الأخرى ولكل منتجاتها.
ختاما عالم الاستراتيجيات عالم كبير ومعقد جدا وله أدوات كثيرة تتجدد كل فترة وتتباين الآراء حولها، لكن كل شركة وإدارة يجب أن تتعلم جزءا جيدا من هذه الاستراتيجيات، والأهم أن تعلم ما الذي يصلح منها ليطبق في وقت معين وفي ظرف معين فلا توجد استراتيجية تصلح بشكل دائما بل تجب مراجعتها بشكل دوري وتقييم نجاحها وفشلها. ومستقبلا سأخصص جزءا من مقالاتي للحديث عن الاستراتيجيات وشرح بعض منها مع تطبيقاتها بإذن الله.
نقلا عن الاقتصادية
التعاون Cooperation، إحدى أهم الأدوات والتصرفات الاستراتيجية التي تنتج عن هذه النظرية، حيث يتم تعاون المتنافسين تجاه السوق والمنافسة حتى لا يكون هنالك ضحايا وإن خسروا بعض الامتيازات السابقة. ولعل أبرز مثال لها التعاون برفع أو خفض سعر المنتج، بحيث يتعاون المتنافسون بإجراء خفض لسعر بشكل متقارب حتى لا يدخلوا في حرب أسعار محرقة ومهلكة لهم، وهذا يحدث كثيرا في قطاع المشروبات مثل اتفاق "بيبسي وكوكاكولا" حول السعر وتجنيب خسائر في منافسة أسعار، أو ما يحدث في سوق الألبان في السعودية، وهو خيار قد يحدث مثلا "لأوبر وكريم" مستقبلا.
الردع والترهيب Deterrence. تقوم الشركات أو أي متنافسين بخيار الردع وترهيب الآخرين حتى يجبروا المنافس على اتخاذ الخطوة التي يريدونها منه سواء بالخروج من السوق أو غيره. من الأمثلة على ذلك شركة مونسانتو "شركة تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية الزراعية" التي كانت تملك براءة اختراع للمحليات الصناعية، عندما قارب تاريخ انتهاء البراءة وبالتالي السماح لجميع الشركات بالتصنيع، استعملت خيار الترهيب عبر استثمارها الضخم في توسيع خطوط الإنتاج لطاقة إنتاجية هي فعليا لا تحتاج إليها لكن هي أرادت ردع الآخرين من دخول السوق.
كذلك كمثال آخر وهو سباق التسلح النووي السابق بين أمريكا والاتحاد السوفياتي، كان لردع الآخر من خيار استعمال القوة ضده. لكن لا يمكن لهذا التصرف أن يأخذ أثره إلا إذا كان فعلا قابلا للتطبيق، فمثلا عندما أرادت شركة جيليت ردع وترهيب شركة كنج أوف شيفز King of Shaves القادم الجديد إلى سوق شفرات الحلاقة البريطانية، التي كانت مسيطرا عليها بشكل شبه كامل من قبل العملاق "جيليت"، أعلنت كتصرف رادع التهديد بحرب خفض الأسعار، وهو قرار كان الجميع يعلم أنه من الصعب أن تستمر الشركة في تطبيقه ولهذا انتهت استراتيجيتها بالفشل التام.
الالتزام Commitment أحد التصرفات الاستراتيجية التي تعمد إليها الشركات لتثبت للجميع التزامها الكامل بقرار ما يؤثر في المنافسة. كمثال عندما أعلنت شركة إيرباص مشروعها الكبير والجديد الذي تعتقد الشركة أنه سيغير صناعة الطيران "إيرباص A380" ولكي تتخطى الشركة الفترة الحرجة ما بعد الإعلان والشكوك حول الجدية ولتثبت التزامها بالمشروع، قامت بحملة تسويقية ضخمة جدا ما بين عامي 2000 و2002 على شركات الطيران رغم أن المشروع في بدايته، بل لم يتخط مرحلة التصميم في الأساس، وهو ما حدا بشركة بوينج إلى التخلي عن مشروع مماثل لعدم استيعاب السوق للمنافسة بهذا النوع من الطائرات.
تغير هيكلة وقواعد اللعبة. يعتبر خيارا وتصرفا أكثر ابتكارا مما سبق بحيث تقوم الشركات بمحاولة ابتكار حل آخر إما بالتعاون أو بالاتفاقيات أو الاندماجات والاستحواذ ما يؤدي إلى تغير هيكلة المنافسة، فتقوم بتحويل خيارات "الخسارة ــ ربح" أو "الخسارة ــ خسارة" إلى "ربح ــ ربح"، مثال على ذلك عندما تنافست شركتا Norfolk وCSX للاستحواذ على شركة Conrail كانتا أمام عدة خيارات جميعها فيها منافسة ومزايدة على السعر والقيمة فبالتالي الجميع يخسر، اتفقت الشركتان على الدخول متحدتين وشراء الشركة مناصفة وبالتالي تم الاستحواذ بسعر ممتاز لهما وبالتالي ربح الجميع بدل المنافسة القاتلة. أو مثل "أوبر ودودي" في الصين فبدل المنافسة الشرسة الشهيرة بينهما على الأسعار والسوق اتخذت الشركتان قرارا أن تخرج "أوبر" من السوق عبر استحواذ "دودي" عليها بمقابل أسهم لـ"أوبر" في شركة دودي. وكذلك هنالك أدوات تستخدمها الشركات أكثر ابتكارا مما سبق، وهي إيجاد منافس جديد لها، حيث تجد الشركة أنه من الأفضل إيجاد منافس حتى لا تستمر السوق محتكرة، وبالتالي تتزايد المخاوف من محتكر السوق، ولعل أبرز أمثلتها شركة إنتل الشهيرة التي قررت أن تعطي رخصة عمل أحد معالجاتها المحتكرة إلى شركة أخرى بحيث تقلل مخاوف ومخاطر عملائها من احتكار التصنيع، وفي الوقت نفسه تشجع عملاءها "وهي الشركات المصنعة للكمبيوترات" على تبني واستخدام هذا المعالج الجديد بعد فك الاحتكار.
التلميح والإشارات Signaling. يستخدم كثير من الشركات هذا الأسلوب لتوصيل رسالة للسوق تهدف منها إلى توجيه المنافسين نحو اتجاه أو اتخاذ قرار معين. هذا الأسلوب كان يستخدم كثيرا أثناء الحروب، فمثلا الإنجليز كانوا يرسلون رسائل مزيفة يعلمون أن الألمان سيحصلون عليها وبالتالي يتم تحركهم في الاتجاه الذي خطط له الإنجليز بينما هم اتجهوا إلى موقع مختلف تماما. وفي عالم الشركات، تعمد الشركات إلى إرسال رسائل للسوق تتصف بالعدائية والقوة والشراسة ضد المنافسين المهددين لها تحمل صيغ التهديد لحماية حصصها السوقية. إن بناء هذا النوع من السمعة بالعدائية والشراسة دفاع عن السوق مفيد جدا للشركات التي تعمل في عدة أسواق ومنتجات، فمثلا شركة بروكتر آند جامبل التي تعمل في أسواق كثيرة عملت على إعطاء رسائل قوية حول دفاعها عن حصتها السوقية في إحدى أسواقها وهي سوق حفائض الأطفال ومنظفات البيوت التي أسست لسمعة انتشرت لها أنها قوية وشرسة في حفاظها على حصتها السوقية بحيث أفادتها في جميع أسواقها الأخرى ولكل منتجاتها.
ختاما عالم الاستراتيجيات عالم كبير ومعقد جدا وله أدوات كثيرة تتجدد كل فترة وتتباين الآراء حولها، لكن كل شركة وإدارة يجب أن تتعلم جزءا جيدا من هذه الاستراتيجيات، والأهم أن تعلم ما الذي يصلح منها ليطبق في وقت معين وفي ظرف معين فلا توجد استراتيجية تصلح بشكل دائما بل تجب مراجعتها بشكل دوري وتقييم نجاحها وفشلها. ومستقبلا سأخصص جزءا من مقالاتي للحديث عن الاستراتيجيات وشرح بعض منها مع تطبيقاتها بإذن الله.
نقلا عن الاقتصادية