"يمكن للشركات الناشئة على مستوى العالم تعزيز تميزها في المنافسة من خلال إيجاد توازن دقيق بين أهدافها وتطلعات عملائها، والحفاظ على الجانب الإنساني للعلامات التجارية التي تمثل تلك الشركات"
شهدت منظومة ريادة الأعمال نمواً غير مسبوق خلال السنوات القليلة الماضية، حيث يشير أحد التقارير إلى أن حصة الشركات الناشئة من الاقتصاد العالمي تُقدر حالياً بحوالي ٣ تريليون دولار أمريكي، وهو ما يمثل نمواً بنسبة 20% منذ عام 2017.
ومن أهم الأمثلة على نمو ريادة الأعمال وتصاعد أهميتها في المنطقة والعالم، ما نشهده اليوم في المملكة العربية السعودية من اهتمام غير مسبوق بهذا القطاع الحيوي، والدعم الكبير الذي يجده من قيادة المملكة، إذ تؤكد رؤية المملكة 2030 على التوجه نحو خلق فرص توظيف مناسبة للمواطنين في جميع أنحاء المملكة عن طريق دعم ريادة الأعمال وبرامج الخصخصة والاستثمار في الصناعات الجديدة، والتركيز على الابتكار في التقنيات المتطورة وريادة الأعمال، وتوجيه طاقات شباب المملكة نحو ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة. وبادرت المملكة بإنشاء الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت"، بغرض تنظيم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة ودعمه وتنميته ورعايته وفقاً لأفضل الممارسات العالمية، لرفع إنتاجية هذه المنشآت وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 35% بحلول عام 2030م.
وبفضل التطورات التكنولوجية التي تدعم ريادة الأعمال والشركات الناشئة، فإن الوقت الراهن هو الأفضل للاختبار والابتكار والإتيان بأفكار جديدة تتخطى المألوف لحل مشاكل العملاء الحالية والجديدة في مختلف القطاعات. ولكن على الرغم من أن التكنولوجيا قد فتحت آفاقاً جديدة لإشراك الناس وتمكينهم، فإنها لا تزال بحاجة إلى الاقتران بقيادة قوية، وعمليات ممنهجة، وثقافات الشركات لتحقيق النجاح.
وعلى الرغم من أن الابتكار في مجال التكنولوجيا قد فتح أبواباً مشرعةً أمام إمكانيات جديدة، إلا أنه قد خلق في الوقت ذاته تحديات معقدة جديدة لرواد الأعمال الذين يتطلعون إلى إحداث تغيير من خلال إجراء تحول جذري في النماذج الحالية للمؤسسات. فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من حدة المنافسة في الوقت الراهن مثلما كانت قبل عقد من الزمان، فإن التغيير الجذري قد أضاف تحديات اجتماعية وإنسانية إلى المعادلة التي كان من الصعب التنبؤ بها في الماضي.
ولذلك فإن الشركات الصغيرة التي لديها أفكار كبيرة تجد نفسها مجبرة على التفكير في استراتيجياتها وإعادة النظر فيها مرة تلو الأخرى في أقسام صنع القرار والابتكار لديها للوصول إلى الوصفة المثالية للتميز، والتي من شأنها أن تسهم أيضاً في تحقيق هدف أكبر وأكثر جدوى. في حين أن هذا الأمر يصب في مصلحة المستخدم من حيث الاختيار في أغلب الأحيان، إلا أنه قد فرض أيضاً ضغطاً هائلاً على مزودي الخدمة حيث يناضلون من أجل الحصول على مكانة وحصة من السوق وولاء العملاء، وذلك في الوقت الذي يواجهون فيه خطر التحول إلى مجرد سلعة في نظر المستهلك.
وبالنظر إلى ذلك، فما الذي يمكن للشركات الناشئة القيام به للتمييز؟ يتمثل العنصر الأول في البحث باستمرار وبإصرار عن طرق مبتكرة وإبداعية لتقديم تجارب إيجابية ذات طابع إنساني، والتي لا تخاطب فقط مشاكل العملاء الرئيسية، بل تتحدث أيضاً عن احتياجاتهم ورغباتهم. سلّحت التكنولوجيا الشركات الناشئة بأدوات متطورة من شأنها توليد بيانات تساعدهم على استهداف العملاء المناسبين من خلال القنوات الصحيحة. ولكن يبقى العامل الأكثر أهمية هو ألا يغيب عن بالنا أن المستخدم هو شخص حقيقي لديه مشاعر حقيقية. ولذلك، فإذا ما كانت هذه الرؤى لا تساعد الشركات على الحصول على استجابة عاطفية إيجابية عند استخدام منتجاتها أو خدماتها، فهي دون أدنى شك قد أخفقت في تحقيق أهدافها.
فهذا الاهتمام المتواصل بالعملاء والتركيز عليهم يجب أن يستكمل بعلامة تجارية تتمحور حول الجانب الإنساني، وعلى الشركات الناشئة منذ مراحلها الأولى أن تسأل نفسها ما الذي تمثله وما هي قصة علامتها التجارية، وذلك لأن ضمان الحضور القوي للعلامة التجارية والذي يمكنه التواصل بفاعلية مع العملاء كبشر أولاً من شأنه أن يختصر المسافة نحو بناء تلك الروابط العميقة والهادفة، ولا سيما في عالم تهيمن عليه المادية والضوضاء الصناعية.
وأخيراً، فإن الحفاظ على الجانب الإنساني سواء من الناحية التنظيمية أو من ناحية المنتج، هو مفتاح النجاح في عالم يتسم بالتنافسية وينظر إلى العلامات التجارية ومنتجاتها باعتبارها سلعاً. فأنا أؤمن تماماً بأن هذه هي الوصفة السرية التي يجب على الشركات الناشئة إضافتها إلى كل نهج تتبعه في الابتكار.
خاص_الفابيتا