خلال مشاهدات متعددة مع بعض رواد الأعمال وحضور الكثير من نقاشاتهم مع المستثمرين الملائكيين أو مع صناديق رأس المال الجريء، ورغم التطور المتسارع في قطاع الشركات الناشئة بالمنطقة العربية، إلا أن هناك ظاهرة لافتة للانتباه، وهي إصرار بعض رواد الأعمال على توهم ندرة الأفكار التي يقدمونها لمشروعهم الناشئ.
الأمر الذي يرجع بالأساس إلى عدم قيام هؤلاء بالبحث الكافي للأفكار المشابهة محليا أو عالميا. أو اعتقاد البعض منهم أن إثبات تفرد الفكرة التي يطرحونها هو ميزة إضافية يجب إثباتها لضمان قبول المشروع من المستثمرين.
الواقع أن الأمر غير ذلك تماما، فاطلاق فرضية ندرة الفكرة التي يقدمها رائد الأعمال ربما كان يمكن تصديقها إذا ما عُرضت قبل 20 عامًا مضت، حيث كانت ريادة الأعمال بالمنطقة العربية في بدايتها، ولم يكن هناك هذا الترابط الكبير بين شبكات مستثمري رأس المال الجريء عالميا، والفورة التي حدثت بالمجال عربيا.
فمن واقع الخبرة والاحتكاك اليومي وعشرات العروض التي يتلقاها أي مستثمر ملائكي أو صندوق استثماري يوميا، يجعله يكاد يجزم أن هناك حتما ظلا لهذه الفكرة المعروضة عليه في أحد الدول الأخرى، أو حتى داخل السوق المحلي.
ولا ضير في ذلك، ولا عيب فيه يجب إخفاءه من طرف رائد الأعمال، بل العكس هو الصحيح، حيث إن بيان وضع المنافسة داخل السوق من شركات ناشئة أخرى، أو بيان اختبار الفكرة بنموذج عملها في أسواق أخرى قد يعطي رسالة اطمئنان أكبر للمستثمر أن رائد الأعمال قد بذل الوقت الكافي في دراسة فكرته، ومدى ملائمتها للسوق التي سيعمل بها، وبدأ في تطوير فكرته من حيث انتهى الآخرون، ولا يحاول اختراع العجلة من جديد، وأن رائد الأعمال يعرف تماما أين نقاط التمايز والقيمة Value proposition في فكرته مقارنة بالأفكار الأخرى القريبة منه.
فاستعجال بعض رائدي الأعمال للحاق بفرصة في هذا السوق المتسارع، يؤدي إلى إغفالهم لبذل الجهد الكافي – عمدًا أو جهلًا – لتفهم السوق ومحركاته الأساسية، والتي منها سيبدأ المشروع ومنها، سيُكتب له الاستمرار أو التوقف والإغلاق بعض فترة.
فالعبرة ليست فقط بالفكرة ومدى ندرتها، وإنما العبرة بكيفية تنفيذ الفكرة على الأرض، ومدى قدرتها على اختراق الأسواق وإلى أي مدى يمكنها الاستمرار في ظل تحديات كبيرة في مسيرة مليئة بالمطبات الطبيعية والصناعية، وكلما تطورت الفكرة إلى واقع ملموس كلما ظهرت كثير من التحديات التشغيلية والتسويقية والمالية والتقنية أمامها.
ختاما، وبنظرة سريعة للنمو المتسارع في قطاع الشركات الناشئة في المنطقة العربية، وفي ظل حركة الاستنساخ لكثير من الأفكار سواء بين رائدي الأعمال في الدول العربية بعضها وبعض، أو استنساخ الأفكار من الخارج، فإنني أرى أن التوجه القادم – الذي بدأت تضح معالمه جزئيا - ليس أفكارا جديدة، بقدر ما هي أفكار تسعى لتحقيق تكامل وربط بين الشركات الناشئة بعضها ببعض، وذلك لسد بعض الفجوات وقطع البازل في المنظومة، والتي لازالت تحتاج إلى ذلك، مستفيدة من البنية التحتية والتطور الحادث في النظام البيئي Ecosystem لريادة الأعمال بالمنطقة.
والي المقال القادم بإذن الله: رائدي الأعمال وفخ التقنية
"فالعبرة ليست فقط بالفكرة ومدى ندرتها، وإنما العبرة بكيفية تنفيذ الفكرة على الأرض، ومدى قدرتها على اختراق الأسواق وإلى أي مدى يمكنها الاستمرار في ظل تحديات كبيرة" كلمات توزن بالذهب شكرا د. أحمد