الأسواق المالية ذات حساسية عالية من الأخبار الاقتصادية والجيوسياسية وتزداد تلك الحساسية في الأسواق الناشئة وتكون أكثر تأثيراً في الأسواق التي تعتمد بشكل كبير على الاستثمار غير المؤسسي كحال السوق السعودية، في الأسابيع الماضية كان هنالك تراجع حاد في السوق المالية السعودية (تاسي) فبعد أن سجل أعلى مستوى هذا العام بنهاية شهر يوليو عند مستوى 8500 نقطة تراجع بشدة إلى مستوى 7400 فاقداً حوالي 1100 نقطة في شهر تقريباً ولكن حدة التراجع تركزت في منتصف شهر سبتمبر.
طبعاً كان تأثير تراجع الأسواق الناشئة هو السبب في تراجع السوق السعودية وخصوصاً أزمة الليرة التركية التي ألقت بظلالها على نفسية المتداولين حيث توجد استثمارات للسعوديين في تركيا سواء أفراداً استثمروا في المجال العقاري أو بعضاً من الشركات ومنها تلك الشركات المدرجة في تداول، ولكن كما ذكرنا في مقالنا السابق حول الأزمة التركية أن تأثيرها محدود جداً، إذاً ما الأسباب الرئيسة التي أثرت بشكل مباشر على السوق وجلعت المؤشر يفقد 1100 نقطة دفعة واحدة حوالي 13 % نسبة التراجع؟ السوق السعودية حققت ارتفاعات كبيرة خلال العام 2018 وصلت إلى أكثر من 16 % مدعومة بميزانية الدولة التوسعية ثم ارتفاع أسعار النفط، وكذلك ترقية السوق السعودية إلى المؤشرات العالمية للأسواق الناشئة بداية من فوتسي راسل ثم مؤشر مورجان ستانلي MSCI وأخيراً مؤشر S&P.
ولاحظنا خلال تلك الفترة تدفق الاستثمار الأجنبي على السوق السعودية حتى شهر يونيو بعدها بدأ التراجع وسجلت الثلاثة الأشهر الأخيرة مبيعات أكثر من المشتريات وبالذات في شهر أغسطس. وهذا يعطينا مؤشراً بأن تراجع مشتريات المستثمر الأجنبي كانت بناءً على دراسة معمقة للسوق رأى بأن المؤشرات أصبحت عالية والمكررات وصلت إلى 19 مرةً ولذلك بدأ بالتخارج، وكما جرت العادة عندما يكون السوق متضخماً سعرياً فإن أي أخبار إيجابية لا تؤثر عليه ولا يستجيب لها ومنها ارتفاع أسعار النفط التي وصلت إلى مستويات 80 دولاراً ولم تساعده في الارتفاع، وكان السوق ينتظر أي خبر سلبي لكي يتخذ حركة تصحيحة تعيد الأسعار إلى المستويات العادلة وهو ما حصل فعلاً بعد الأخبار السلبية عن الأسواق الناشئة في الأرجنتين وتركيا بالإضافة إلى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين والتي أثرت فعلياً على الأسواق في المنطقة وتراجعت. ولكن السوق السعودية كان التراجع فيها أكثر حدة من بقية الأسواق الناشئة حتى التي لديها أزمات اقتصادية كالسوق التركية، طبعاً السبب يعود إلى أن 80 % من التداولات اليومية في (تاسي) تعود للأفراد ولذلك يصابون بحالة من الهلع الشديد عند التراجعات ويتم تسييل الكثير من محافظهم ولوحظ ذلك فعلياً من خلال الأرقام التي نُشرت لاحقاً في تداول والتي أظهرت بأن مبيعات الأفراد كانت عالية جداً، لذلك لا بد على هيئة السوق المالية من معالجة هذا الخلل من خلال تشجيع الاستثمار المؤسسي ليكون فاعلاً وعدم ترك السوق تحت مزاجية المستثمرين الأفراد التي تؤثر على تذبذب المؤشر الحاد والتي قد تلقي بظلالها على المستثمر الأجنبي عندما يرى عدم استقرار في السوق وحصول تراجعات أو ارتفاعات غير مبررة.
ولذلك من المهم التعجيل في تطبيق نموذج صانع السوق الذي يعمل على إيجاد توازن مستمر بين العرض والطلب وانحسار الفجوة بين سعري البيع والشراء، وعندما تكون هنالك ضغوط بيعيه من قبل المتعاملين لأي سبب يقوم صانع السوق بتوفير طلبات شراء مقابلة تمكن هؤلاء من بيع أسهمهم بشكل سلس دون أن يغير الاتجاه النزولي للسهم جراء عمليات البيع، والعكس صحيح عندما يكون هناك ضغوط شرائية يقوم بتوفير عروض بيع مقابله من مخزون الأسهم لديه أو من متداولين آخرين بحيث يكون صعود السعر سلساً، وبذلك نضمن مستويات عادلة ومنطقية للمؤشر الرئيس للسوق وكذلك أسعار الشركات، وخلق بيئة جاذبة للمستثمرين.
خلال الأسبوع الماضي ارتفع مؤشر تاسي إلى مستويات 7900 بعد ظهور فرص استثمارية جيدة حيث لاحظنا أن بعض الشركات القيادية وصلت مكرراتها إلى مستويات جاذبة للمستثمرين حيث كانت سابك تتداول عند مكرر 16 مرة، والاتصالات السعودية عند 15 مرة، ومصرف الراجحي عند 14 مرة، وربما عاد المستثمر الأجنبي إلى الشراء مرة أخرى وخصوصاً في الشركات القيادية التي لديها نمو مستقبلي وزيادة متوقعة في الأرباح، وفي اعتقادي بأن السوق سوف تتداول خلال الفترة القادمة عند مستويات تحت 8000 نقطة وبالأرقام هذه المستويات عادلة وجاذبة للمستثمر الأجنبي وننتظر نتائج الربع الثالث فلربما تكون محفزة للسوق لتجاوز نقطة المقاومة وكسر حاجز 8000 نقطة أو أي أخبار إيجابية أخرى قد تحفز السوق، ويبقى المحفز الأهم هو الإدراج الفعلي للسوق السعودية في المؤشرات العالمية بدءاً من شهر مارس في مؤشر فوتسي راسل وشهر مايو في مؤشر msci وربما تكون أسعار النفط ذات تأثير إيجابي على السوق وخصوصاً عند تطبيق العقوبات على إيران خلال شهر نوفمبر القادم.
نقلا عن الرياض
وجهة نظر معتبره ومقدره، وإن كنت أعتقد أن الظروف التي يمر بها القطاع الخاص هي السبب في خسارة المؤشر الموجعة وليست أزمة عملات الدول الناشئة ولا سلوكيات الأفراد بالسوق!
ماله علاقه