سيف "ديموقليس" والجنيه المصري

12/09/2018 0
خالد أبو شادي

سيف معلق بشعرة واحدة من ذيل حصان فوق رأسه، ما هذا؟! فجأة يشعر وكأنه في كابوس لا ينتهي..يستيقظ "ديموقليس" الذي لم يكن نائما على الحقيقة المفجعة، ربما علم الآن ان مغالته في وصف سعادة الملك لم تكن منطقية، لم تكن في محلها، هو الآن على مائدة ذلك الملك كي يستكشف كيفية شعوره بالسعادة ، لكن الخطر المحدق في أى لحظة  والذي لا تتلاشى احتمالات حدوثه كلها قلب كل شيء رأسا على عقب...كان الدرس قاسيا في الأسطورة اليونانية القديمة وحتى في وقتنا الراهن .

هل تشعرون بالسعادة؟ أتمنى ذلك لكم دائما..لكن كيف سيحدث ذلك وهناك خطر محدق؟! ما زلنا في خضم فهم الأسطورة ودلالتها وعلاقتها بموضوعنا..أعتقد الأمر واضح الآن.

حسنا، صدر مؤخرا تقرير من "نومورا هولدينجز" ذلك البنك الاستثماري الياباني الشهير، يحذر فيه مؤشره "ديموقليس" من مخاطر تتعلق بسعر الصرف لعملات سبع دول هي "سريلانكا، جنوب افريقيا، الأرجنتين، باكستان، مصر، تركيا وأوكرانيا.

الترتيب السابق حسبما وضعه المؤشر الذي يعد "نظام انذار مبكر" ويرصد متغيرات تتعلق بالاقتصاد الكلي والمالية العامة في الدول سالفة الذكر، فيما تبقى البرازيل، بلغاريا، اندونيسيا، كازاخستان، بيرو، القلبين، روسيا وتايلاند في الجانب الآمن تماما من هذا الخطر.

ماذا يعني هذا الكلام بالنسبة لمصر تحديدا؟ ..يعني توقع ضغوط  في أى وقت على سعر تحرك الجنيه أمام الدولار، ومن أين تأتي هذه الضغوط؟ من تخارج المستثمرين الأجانب من السندات الحكومية في ظل الوضع الذي تشهده الأسواق الناشئة ، فضلا عن ضعف الاستثمارات بشكل عام ومن ثم انعكاسه السلبي على مصر كأحد الدول التي لديها عجز في الحساب الجاري.

وإذا كانت الحكومة قد استطاعت تعديل عجز الموازنة للعام المالي الحالي ليقفز فوق 8% تماشيا مع ارتفاع أسعار النفط صوب 80 دولارا بالمقارنة مع السعر المستهدف عند 67 دولارا، حيث يكلف كل دولار زيادة في سعر البرميل الحكومة ما بين 3 إلى 4 مليارات جنيه كزيادة في عجز الموازنة، فإن الاشكالية تبقى في ارتفاع تكلفة الاقتراض.

وبالنسبة لإلغاء بعض مزادات سندات الخزانة بسبب ارتفاع العائد المطلوب فالأمر نال اهتماما لإنعكاسات ما يحدث في الأسواق الناشئة على مصر، وإن كنت أرى أن الإلغاء يتكرر كثيرا لأسباب عدة وفي أوقات مختلفة، لكن دعونا نتفق أن تكرار الإلغاء مجددا خلال الفترة الحالية سيمثل اشكالية لخدمة الدين البالغة 541 مليار جنيه في موازنة العام المالي الحالي، خصوصا أن المزاد كان لسندات بالعملة المحلية وليس الأجنبية.

في رأيي هناك بعض البنود التي ترهق الاحتياطيات الدولارية للبنوك المصرية لا سيما السماح بإستيراد السلع الكمالية أو غير الأساسية "مهما كانت التكلفة" على سبيل المثال، حيث أن مستهلكها لا يعنيه الثمن بنسبة كبيرة بقدر ما يعنيه توافرها بالفعل، لكن في المقابل يشكل هذا ضغطا على الطلب الدولاري، وهذا يعني ضرورة لجوء الحكومة لعمل استثناءات للسيطرة على الأمر.

ذلك لأنه لا يمكن الجزم بوقت بعينه لهدوء الأسواق "الناشئة" تحديدا وعودة الأمور لطبيعتها كي تبيع وزارة المالية السندات بما استهدفته من عائد، خصوصا مع انتظار قرار تزيد نسبة احتمال وقوعه يتعلق برفع الفائدة الأمريكية لاحقا هذا الشهر.

ان تحرك الدولار ارتفاعا أمام الجنيه سيعني ضغوطا تضخمية سلبية التأثير بشكل مباشر على الأسعار مما يترتب عليه استنزافا للاحتياطي لدى البنك المركزي في الدفاع عن العملة، في الوقت الذي تشكل فيه الودائع والقروض النسبة الأكبر من ذلك الاحتياطي.

ومما يحتم ضرورة التحرك كون الاقتصاد المصري لا يتمتع بمرونة كافية تقيه أثر الصدمات خصوصا الخارجية، وذلك بالمقارنة مع الدول المتقدمة التي يستحوذ فيها قطاع الخدمات على النسبة الأكبر من حجم الاقتصاد، وهو ما حدث بالفعل على سبيل المثال عندما استفاد القطاع السياحي البريطاني من انخفاض الاسترليني بعد التصويت لصالح البريكست منتصف 2016.

هذه "المرونة" تقودنا لنقطة غاية في الأهمية تتعلق بضرورة استيعاب أن السياسة النقدية عن طريق البنك المركزي ليست مهمتها اعادة ضبط مسار الاقتصاد ووضعه على الطريق الصحيح، بل "شراء الوقت" للحكومة للقيام بهذا الدور، وبالتالي دعم فكرة "الهوية الاقتصادية" والتي تميز دولة عن أخرى في قطاع أو صناعة بعينها رغم عدم إهمال باقي القطاعات.

وبالتالي يُفهم من ذلك أن الجنيه يجب أن يجد دعما من الاقتصاد الفعلي، وهذا أساس الأمر وليس العكس، صحيح أن البنك المركزي يحاول ضبط ايقاع تحرك الأسعار عن طريق أدواته المعروفة مثل سعر الفائدة، لكن الأثر المرجو لن يأتي مع مخالفة القاعدة المعروفة (حال ثبات العوامل الأخرى).

وأعتقد أن الدرس االقاسي الذي واجهته ماليزيا إبان أزمة النمور الآسيوية في النصف الثاني من التسعينات كفيل بأن يتعلم منه الجميع، ورغم أنني لا أنكر اختلاف المعطيات لكن تحرك الجهات التنظيمية في الدولة للسيطرة على الأزمة ورفض اللجوء لصندوق النقد لافتا جدا ويجب الوقوف عنده والتعلم منه.

ربما يرى البعض تقرير "نومورا" قاسيا، لكن فيه من الصحة بقدر ما يرى فيه "آخرون" تسبة من الخطأ، فيما تبقى النظرة التاريخية القريبة أو البعيدة لوضع الدين الذي يعد أكبر ضاغط على تحرك الجنيه تشير إلى أن انخفاضه أو تلاشيه تماما لم يحدث إلا في ظروف استثنائية، ومثال الحالة الأولى في 1990 من خلال حرب تحرير الكويت، والثانية إبان الحرب العالمية 1943.

ويبقى الخطر المحدق من سيف أو مؤشر-أيهما شئت- "ديموقليس" قائما، لكن المهم هل فرغت جعبتك من الحلول وتجلس منتظرا سقوطه في أى لحظة أم تتحرك لإنقاذ ما يمكن انقاذه أم أنك تنتظر أن يكرر التاريخ نفسه ويقلك أحد من عثرتك؟

 

 

خاص_الفابيتا