فك شفرة التضخم السالب عند النفط يا سادة

18/05/2017 0
خالد أبو شادي

تجاوز الأمر النقاش الأكاديمي مع مخاوف انزلاق المملكة لركود تضخمي بآثار وأبعاد غاية في الضرر على الاقتصاد مع تواصل "انكماش" مؤشر أسعار المستهلكين للشهر الرابع على التوالي خلال أبريل/نيسان.

ووفقا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء تراجع المؤشر الذي يرصد تكلفة المعيشة في المملكة 0.6% على أساس شهري أى بالمقارنة مع مارس/آذار بتأثير واضح من ضغط تراجع أسعار المشروبات والأغذية، والنقل التي يمثل وزنها معا قرابة الثلث من القيمة الإجمالية للمؤشر.

وربما يفسر ذلك ضرورة إعادة صرف البدلات والمكافآت للموظفين والتي ستنعكس بشكل مباشر على هذه الفئة لتحرك المياه الراكدة للأسعار، حيث أظهرت بيانات الربع الأول لميزانية 2017 استحواذ تعويضات الموظفين على أكثر من نصف المصروفات " حوالي 55%".

لكن تبقى الخطوة بمثابة "مسكن أوّلي" هام وعاجل في وقته، قبل القيام بعلاج أطول أمداً يساهم بشكل فعّال في علاج مشكلة البطالة وارتفاع معدلها، بجانب العمل على خلق وظائف للوافدين الجدد لسوق العمل من المواطنين، وأعني التحفيز الحكومي عن طريق وزارة المالية نظرا لمحدودية تحرك السياسة النقدية بسبب ربط الريال بالدولار والاحتمالات المتواترة لرفع ثاني وثالث للفائدة الأمريكية مجددا هذا العام.

وخلق الوظائف يستدعي الإنفاق على مشروعات للبنية التحتية بجانب دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لحمايتها من ارتفاع تكلفة الاقتراض وضعف الطلب.

لذا بدت تصريحات "الجدعان" التطمينية لوكالة" بلومبيرج" وكأنها مكملة للصورة للتعامل مع مشكلة إنكماش الأسعار على المدى الأطول بأن ميزانية العام القادم ستكون "توسعية" أى لتحفيز الاقتصاد، لكن ربط ذلك بـ"الكفاءة" ربما يحمل في ذاته تحديا واضحا يتمثل من وجهة نظري في عنصريين أساسيين وهما : مواجهة الفساد وتحسين كفاءة الأداء الإداري، وهما يحتاجان لمعاول يحملها أصحاب همة وصبر وقبلهما الضمير المهني.

تصريحات وزير المالية توضح إدراك الحكومة لمخاطر المرحلة، لكن كما أسلفت فإن ربط "توسعية" الميزانية بـ"الكفاءة" تجعل الأمر لا أقول غامضا بل صعبا، وبمنطقية وصراحة لا بد منها، فإن نوعية الاقتصاد السعودي الذي لا يتمتع بالمرونة الكافية لاعتماده على سلعة واحدة تجعل اخراجه من دوامة الركود التضخمي حال دخوله فيها أمرا غير هين، لذا يجب أن تتضافر الجهود الصادقة للعمل على إبعاد شبحه.

ومع خطط التوسع في الانفاق يستتبع ذلك زيادة الاقتراض واصدار السندات أو اللجوء للاحتياطي لتغطية العجز في الميزانية مع تواصل بقاء أسعار النفط منخفضة.

وهنا يبرز الحديث مجددا عن فك ارتباط الريال بالدولار وتكلفته ليظل "حقيقيا"  وليس "شكليا"عند مستواه 3.75 كما كان لمدة تجاوزت العقود الثلاثة.

لكن ربما لن ينسجم الحديث عن ضغوط مستقبلية مع "عواطف" البعض، وهو أمر لا يبدو مقبولا في تناول القضايا الاقتصادية، فمع تحييد العاطفة يمكنك الوصول لقرار أقرب للدقة حتى لو صاحبه بعض "الألم".

وهنا استحضر تقريرا لصحيفة "فاينانشال تايمز" صدر في نوفمبر 2016 محذرا من ركود اقتصادي يتربص بالمملكة، كان اللافت فيه للنظر لكن دون تفصيل من قبل الصحيفة هو تحويل أثرياء أموالهم خارج البلاد.

ربما رأى البعض أن التقرير "مغرضا" كما هي عادة الإعلام الغربي، لكن الأمر لا يسير بالضرورة على هذا النسق، وإلا فما الذي يمكن قوله على تصريحات "زاك شرايبر" الذي يدير صناديق التحوط "بوينت ستيت كابيتول" في أكتوبر/تشرين الثاني عن "صدمة " تنتظر المملكة بعد ثلاث سنوات تقريبا؟

في رأيي فإن تحويل هذه التوقعات السلبية إلى "طاقة إيجابية" يستلزم العودة بأسعار النفط للإرتفاع بشكل يتخطي 60 و70 دولارا،أو عند 84 دولارا لتحقيق توازن الميزانية وفقا لحسابات صندوق النفد عن العام الحالي، فالاستدانة المتواصلة سترهق الميزانية ومعها الاحتياطي، وهو أمر سيتواصل مع بقاء أسعار النفط منخفضة.

لذا فإن حل معضلة التضخم السالب أو انكماش الأسعار كما يجب أن يقال، والهروب من فخ الركود والكساد يجب أن تدعمه أسعار النفط المرتفعة، وهو تحدي ليس بهين مع الأخذ في الاعتبار منافسة النفط غير التقليدي على المدى القصير.

ربما بدا الكلام تقليديا والحل تقليديا، لكن الاعتمادية البائنة على النفط لا تدع مجالا للتفكير في حلول "سريعة"، وإلا فلننتظر مزيدا من الاقتراض في الأجل القريب.

ويؤكد هذا كلام "الجدعان"، لكن هذه المرة من خلال تصريحات لـ"سي ان ان" عندما أشار لعودة البدلات والمكافآت التي تم رفعها سابقا "عندما كنا قلقين نتيجة هبوط أسعار النفط" وربما حان الوقت لضخ المزيد من دعم الاقتصاد بوضع سيولة في يد المستهلك، وهذا يدلل على محورية أسعار النفط.

وبدت تصريحات الوزير تكسوها لهجة متفائلة لـ" جون دفتريوس" عندما قال : إن المملكة لن تكون قلقة إذا هبط النفط إلى 40 دولارا عام 2020، ولن تهتم لأنها ستكون قطعت شوطا كبيرا في طريق الاستقلال عنه،  "نحن نخطط لإنهاء اعتمادنا على ما كنا نعيش عليه خلال السنوات الأربعين إلى الخمسين الماضية ونأمل أنه ألا نهتم بسعر النفط حتى لو بلغ الصفربحلول 2030 !

هذا يعني أننا يجب أن نكون قلقين لبقاء أسعار النفط منخفضة حتى 2020 على الأقل استنادا لتصريحات "الجدعان"، وأتمنى إلا يكون هناك قلقا فعليا عليها بعد ذلك.

خاص_الفابيتا