حمل تقرير مشاورات المادة الرابعة التي يجريها صندوق النقد الدولي سنويًّا الثناء من «المديرين التنفيذيين على الحكومة السعودية لما حققته من تقدم في تنفيذ جدول أعمالها الإصلاحي. ورحب المديرون بالآفاق الإيجابية بوجه عام، وأكدوا أنه لا ينبغي لارتفاع أسعار النفط أن يبطئ زخم الإصلاح. واتفق المديرون على أن مواصلة الالتزام بتنفيذ إصلاحات واسعة النطاق سيساعد على تحقيق أهداف المالية العامة، وتشجيع النمو غير النفطي».
من الناحية العامة يتضح مما جاء في التقرير أن الاقتصاد الوطني بدأ ينتقل لمرحلة جديدة بعد أن بدأت الإصلاحات فيه منذ قرابة ثلاثة أعوام، التي تزامنت مع تراجع حاد بأسعار النفط، إلا أن ذلك كان بمنزلة حافز للمضي قدمًا بالإصلاحات التي تراجع معها عجز الموازنة العامة إلى نحو 9.3 % في العام 2017 من قرابة 17 % في العام 2016 الذي يُعد الأكثر صعوبة في تقلبات أسعار النفط وتراجع إيراداته. ويتوقع الصندوق أن يبلغ العجز هذا العام 4.6 %، وفي العام القادم 1.7 %؛ وهو ما يشير إلى تطور إيجابي في ضبط الإنفاق العام، ورفع كفاءته، وكذلك نمو كبير بالإيرادات غير النفطية مع ارتفاع إيرادات النفط بعد تحسُّن الأسعار بنسب أعلى من توقعات الأسواق؛ وهو ما يعني أن القدرة على دعم معدلات نمو اقتصادي جيدة ستكون مريحة للحكومة، وهو ما اتضح من خلال موازنة العام الحالي الأكبر من حيث التقديرات تاريخيًّا عند 978 مليار ريال، وانعكس ذلك بالعودة لتحقيق نمو اقتصادي من الربع الأول لهذا العام. كما أن لتراجع العجز بالموازنة والسيطرة عليه دورًا مهمًّا في القدرة على تنفيذ برامج التحول الوطني في وقتها، ودون أي ضغوط على النمو الاقتصادي المستهدف في السنوات القادمة.
وبما أن الصندوق أبدى ارتياحه، وعبَّر عن ثنائه لزخم الإصلاحات، وكيف تجاوز معها الاقتصاد الوطني فترة التراجع الحاد بأسعار النفط، لكنه نبّه إلى ضرورة دعم القطاع الخاص من خلال ما أراد التذكير به بأن يبقى التوازن قائمًا بين تطبيق الإصلاحات، وأن لا تؤثر على النمو الاقتصادي، وكذلك ركز على تمويل ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وضرورة تحسين ورفع تنافسية القوى العاملة الوطنية في سوق العمل بقصد خفض البطالة، وهو ما يعني أن الوزارات والجهات الاقتصادية والتنموية من الضروري أن تحقق أفضل النتائج في تطبيق السياسات الاقتصادية وتحويل برامج الدعم والتمويل التي اعتمدت ورُصد لها عشرات المليارات؛ لتكون واقعًا، وتتسارع خطوات تنفيذ المبادرات التي تضمنتها برامج الدعم.
تقرير صندوق النقد يُعد شهادة إضافية، توضح المسار الإيجابي للاقتصاد الوطني المحصن - بإذن الله - ضد المخاطر، وإن كانت قائمة، وبيّنها التقرير، وخصوصًا بعدم الاطمئنان لأسواق النفط وتقلباتها، إلا أن وضوح خارطة الطريق نحو هيكلة الاقتصاد وإصلاحاته التي تنفذ مع وجود احتياطيات حكومية ضخمة بما يقارب تريليونَي ريال، ودين عام منخفض، وخطوات تحمي الاقتصاد من خلال دعم المواطن بما يعينه على متطلبات المعيشة من حساب المواطن إلى بدل غلاء المعيشة.. فإن كل ذلك يؤكد ويعزز الثقة بالاقتصاد الوطني، ويشير إلى مرحلة جديدة من النمو، سيكون لها انعكاس إيجابي على القطاعات الاقتصادية كافة.
نقلا عن الجزيرة