تعد صفقات الاندماج والاستحواذ أحد أهم الوسائل للتركزات الاقتصادية، التي تحقق منافع ومكاسب قوية للأطراف، ما يسترعي انتباه أجهزة المنافسة؛ للتأكد من أن تلك الصفقات لن يكون لها تأثير سلبي في السوق من حيث القوة التنافسية.
في هذه المقالة، أستعرض مثالا قويا لواحدة من أكبر صفقات الاندماج والاستحواذ، وهي استحواذ شركة AT&T العملاقة على شركة Time Warner بقيمة تبلغ نحو 108 مليارات دولار؛ أي نحو 405 مليارات ريال، وهي قيمة تعادل ميزانيات دول. تستند هذه المقالة بشكل كبير إلى رأي المحكمة الأمريكية، التي أصدرت الحكم الأسبوع الماضي الموافق 12 من حزيران (يونيو) 2018، وكانت متاحة للعموم على موقع المحكمة في اليوم الذي يليه في رأي مفهرس ومفصل ومرتب في 172 صفحة.
في 22 تشرين الأول (أكتوبر) لعام 2016، أعلنت شركة AT&T توقيعها اتفاقية الاندماج مع شركة Time Warner، على أن تكون فترة إكمال وإقفال هذه الاتفاقية في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، ثم قامتا بتمديد الاتفاقية حتى 21 نيسان (أبريل) 2018، ثم تبعه تمديد آخر حتى 21 حزيران (يونيو) 2018 وفقا لإعلانهم على موقع هيئة السوق المالية الأمريكية؛ ما جعل القاضي يحرص على إصدار الحكم في هذا الشهر، لكيلا تضطر شركة AT&T إلى أن تدفع 500 مليون دولار؛ أي قرابة مليار و875 مليون ريال لشركة Time Warner رسوم إنهاء الاتفاقية مقابل الوقت والتكاليف التي بذلت للتجهيز لتلك الصفقة. باختصار، ومن الزاوية التي تهتم بها أجهزة المنافسة، تعد هذه الصفقة من أنواع الاتحادات العرضية Vertical integration؛ أي أن الطرفين قد يكونان يمارسان النشاط نفسه، لكن على مستوى مختلف من خط الإنتاج، فكلتا الشركتين تعملان في نشاط الإعلام والتواصل، لكن شركة Time Warner، التي من ضمن شبكاتها CNN،TNT،HBO، تقوم بشكل أساسي بإنتاج المحتوى الإعلامي، بينما تقوم شركة AT&T بتوزيع هذا المحتوى وإيصاله إلى المستهلك مباشرة.
بعد إعلان الشركتين الصفقة، بدأت وزارة العدل الأمريكية التحقيقات بخصوص هذه الصفقة، التي استغرقت قرابة السنة، استقبلت الوزارة خلالها قرابة 25 مليون صفحة من المستندات، انتهت بإقامة دعوى ضد الشركتين، إضافة إلى شركة DirctTV، التي تطلب فيها أن تحظر المحكمة هذه الصفقة، واستغرقت هذه الدعوى قرابة ستة أشهر. حكمت المحكمة برفض طلب الحكومة الأمريكية منع صفقة الاندماج، والسبب بشكل أساسي لهذا الحكم أن الحكومة الأمريكية "ممثلة في وزارة العدل الأمريكية" فشلت في إثبات أن الصفقة ستضعف المنافسة بشكل جوهري.
من وجهة نظر الطرفين، ستنافس الشركتان متحدتين بشكل أقوى بعد إتمام الصفقة شركات كـ Amazon Prime وNetflix وHulu. بعدها، وفي اليوم التالي، أعلنت شركة Comcast عرضها لشراء شركة 21st Century Fox بقيمة 65 مليار دولار؛ أي قرابة 243 مليار ريال، مشعلة حربا للعروض، بعد تجاوزها عرض الشراء السابق المقدم من شركة Walt Disney بقيمة 52.4 مليار دولار وفقا لصحيفة الـ "نيويورك تايمز"، التي انتهت بإعلان شركة 21st Century Fox أمس الأربعاء الموافق 20 من هذا الشهر حزيران (يونيو) عن قبولها عرض شركة Walt Disney بقيمة تزيد على (70) مليار دولار وفقا لخبر Wall Street Journal أي قرابة ما يزيد على (262) مليار ريال سعودي. خسرت وزارة العدل الأمريكية هذه القضية بشكل كبير، ما فتح الباب لكثير من التنبؤات والتعليقات بخصوص صفقات الاندماج والاستحواذات كنتيجة لهذا الحكم، بما في ذلك الكتابات الإعلامية السائدة، التي عبرت عن الخطر والأثر السلبي المحتملين لهذا الحكم.
في المقابل ظهرت الكتابات المتخصصة، التي تؤكد وتثني على صواب حكم المحكمة، وأن هذا الحكم يعتبر داعما لمسألة المنافسة بين الشركات التي في المحصلة الأخيرة ستكون في مصلحة المستهلك ورفاهيته. هناك كثير من الدروس المستفادة من هذا الحكم، ومما تجدر الإشارة إليه الآن أن أجهزة المنافسة لها دور أساسي، وينبغي أن تضع نصب عينيها الحفاظ على المنافسة، والسعي نحو مكافحة الممارسات الاحتكارية التي تضعفها، وأن تكون أجهزة المنافسة حذرة في التدخل في السوق لمحاولة إصلاحها، بل تسعى إلى إيجاد البيئة التنافسية المحفزة، وأن تتنبه إلى مسألة مهمة، وهي أن قرار منع صفقات الاندماج والاستحواذ ينبغي أن يدرس بعناية كبيرة، فليس كل شركة كبيرة ناجحة مبدعة تعني احتكارا، والكبر والضخامة لا ينبغي أن يفسر على أنه احتكار بشكل مجرد.
نقلا عن الاقتصادية
في هذه المقالة، أستعرض مثالا قويا لواحدة من أكبر صفقات الاندماج والاستحواذ، وهي استحواذ شركة AT&T العملاقة على شركة Time Warner بقيمة تبلغ نحو 108 مليارات دولار؛ أي نحو 405 مليارات ريال، وهي قيمة تعادل ميزانيات دول. تستند هذه المقالة بشكل كبير إلى رأي المحكمة الأمريكية، التي أصدرت الحكم الأسبوع الماضي الموافق 12 من حزيران (يونيو) 2018، وكانت متاحة للعموم على موقع المحكمة في اليوم الذي يليه في رأي مفهرس ومفصل ومرتب في 172 صفحة.
في 22 تشرين الأول (أكتوبر) لعام 2016، أعلنت شركة AT&T توقيعها اتفاقية الاندماج مع شركة Time Warner، على أن تكون فترة إكمال وإقفال هذه الاتفاقية في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، ثم قامتا بتمديد الاتفاقية حتى 21 نيسان (أبريل) 2018، ثم تبعه تمديد آخر حتى 21 حزيران (يونيو) 2018 وفقا لإعلانهم على موقع هيئة السوق المالية الأمريكية؛ ما جعل القاضي يحرص على إصدار الحكم في هذا الشهر، لكيلا تضطر شركة AT&T إلى أن تدفع 500 مليون دولار؛ أي قرابة مليار و875 مليون ريال لشركة Time Warner رسوم إنهاء الاتفاقية مقابل الوقت والتكاليف التي بذلت للتجهيز لتلك الصفقة. باختصار، ومن الزاوية التي تهتم بها أجهزة المنافسة، تعد هذه الصفقة من أنواع الاتحادات العرضية Vertical integration؛ أي أن الطرفين قد يكونان يمارسان النشاط نفسه، لكن على مستوى مختلف من خط الإنتاج، فكلتا الشركتين تعملان في نشاط الإعلام والتواصل، لكن شركة Time Warner، التي من ضمن شبكاتها CNN،TNT،HBO، تقوم بشكل أساسي بإنتاج المحتوى الإعلامي، بينما تقوم شركة AT&T بتوزيع هذا المحتوى وإيصاله إلى المستهلك مباشرة.
بعد إعلان الشركتين الصفقة، بدأت وزارة العدل الأمريكية التحقيقات بخصوص هذه الصفقة، التي استغرقت قرابة السنة، استقبلت الوزارة خلالها قرابة 25 مليون صفحة من المستندات، انتهت بإقامة دعوى ضد الشركتين، إضافة إلى شركة DirctTV، التي تطلب فيها أن تحظر المحكمة هذه الصفقة، واستغرقت هذه الدعوى قرابة ستة أشهر. حكمت المحكمة برفض طلب الحكومة الأمريكية منع صفقة الاندماج، والسبب بشكل أساسي لهذا الحكم أن الحكومة الأمريكية "ممثلة في وزارة العدل الأمريكية" فشلت في إثبات أن الصفقة ستضعف المنافسة بشكل جوهري.
من وجهة نظر الطرفين، ستنافس الشركتان متحدتين بشكل أقوى بعد إتمام الصفقة شركات كـ Amazon Prime وNetflix وHulu. بعدها، وفي اليوم التالي، أعلنت شركة Comcast عرضها لشراء شركة 21st Century Fox بقيمة 65 مليار دولار؛ أي قرابة 243 مليار ريال، مشعلة حربا للعروض، بعد تجاوزها عرض الشراء السابق المقدم من شركة Walt Disney بقيمة 52.4 مليار دولار وفقا لصحيفة الـ "نيويورك تايمز"، التي انتهت بإعلان شركة 21st Century Fox أمس الأربعاء الموافق 20 من هذا الشهر حزيران (يونيو) عن قبولها عرض شركة Walt Disney بقيمة تزيد على (70) مليار دولار وفقا لخبر Wall Street Journal أي قرابة ما يزيد على (262) مليار ريال سعودي. خسرت وزارة العدل الأمريكية هذه القضية بشكل كبير، ما فتح الباب لكثير من التنبؤات والتعليقات بخصوص صفقات الاندماج والاستحواذات كنتيجة لهذا الحكم، بما في ذلك الكتابات الإعلامية السائدة، التي عبرت عن الخطر والأثر السلبي المحتملين لهذا الحكم.
في المقابل ظهرت الكتابات المتخصصة، التي تؤكد وتثني على صواب حكم المحكمة، وأن هذا الحكم يعتبر داعما لمسألة المنافسة بين الشركات التي في المحصلة الأخيرة ستكون في مصلحة المستهلك ورفاهيته. هناك كثير من الدروس المستفادة من هذا الحكم، ومما تجدر الإشارة إليه الآن أن أجهزة المنافسة لها دور أساسي، وينبغي أن تضع نصب عينيها الحفاظ على المنافسة، والسعي نحو مكافحة الممارسات الاحتكارية التي تضعفها، وأن تكون أجهزة المنافسة حذرة في التدخل في السوق لمحاولة إصلاحها، بل تسعى إلى إيجاد البيئة التنافسية المحفزة، وأن تتنبه إلى مسألة مهمة، وهي أن قرار منع صفقات الاندماج والاستحواذ ينبغي أن يدرس بعناية كبيرة، فليس كل شركة كبيرة ناجحة مبدعة تعني احتكارا، والكبر والضخامة لا ينبغي أن يفسر على أنه احتكار بشكل مجرد.
نقلا عن الاقتصادية