لم أتمكن من حضور ندوة تطوير القطاع المالي حين تم عرض ومناقشة وثيقة تطوير القطاع. نظرا لأهمية الموضوع وبحكم الانتساب للقطاع تكونت لدي تصورات عامة عرضت بعضها من خلال مقالات سابقة، ولذلك جاءت الوثيقة لتذكرني، وأيضا فرصة حين يناقش الموضوع بهذه الدرجة من الاهتمام خاصة أن القائمين على القطاع أبدوا اهتماما ملاحظا بالاستماع والتطوير. نظرا لأهمية الموضوع سأطرحه من خلال عمودين، الأول عام حول ما أرى أنه تحديات عامة والآخر يتعامل مع الوثيقة مباشرة. القطاع المالي دائما مهم ولكنه يأخذ أهمية قصوى لأن الاقتصاد لدينا ما زال ذا طابع مالي قوي، ولذلك تطوير القطاع وعلاقته بالحالة الاقتصادية يتطلب نظرة مختلفة عما يراه طرح الاستشاري التقليدي.
هناك عدة نقاط أكثر علاقة بواقع القطاع كما أراه. الملاحظة الأولى: أن القطاع المالي ما زال يعاني عدم توازن هيكلي. حيث عادة هناك ثلاث صناعات في القطاع على درجة من التماثل في الحجم والأهمية، هناك الصناعة المصرفية والتمويل العقاري والتأمين. في حالتنا تطورت المصرفية ولكن التمويل العقاري والتأمين ما زالا يعانيان لأسباب مختلفة موضوعيا وتنظيميا ورقابيا. فمثلا هناك رأي شعبي مفاده أن القطاع المصرفي "محتكر" ولكن بعد فتح صناعة التأمين لعدد كبير اتضح مدى أهمية تركيبة الصناعة اقتصاديا وتنظيميا ورقابيا، بينما لا يزال القطاع العقاري يعاني ضعفا في التأطير المؤسساتي لأسباب هيكلية وإدارية وقانونية. أعتقد أن إعادة النظر في خريطة القطاع من خلال تنمية الصناعات المكونة له تشكل إحدى نقاط البداية. الملاحظة الثانية: ولها علاقة وثيقة بالأولى ولكنها مختلفة في الفضاء الجغرافي خاصة أن الصناعة المالية مرتبطة بالمكان من ناحية والتكامل الاقتصادي من ناحية أخرى.
لابد من تأسيس مصارف وشركات تمويل عقاري في المناطق. سبق أن اقترحت أثناء تأسيس بنك الإنماء أن من الأجدر تقسيم رأسماله إلى أربعة مصارف في المناطق الشمالية والجنوبية والأحساء والمدينة. ما زالت الحاجة قائمة بل في نظري أصبحت أكثر إلحاحا، حيث زاد عدد السكان و ارتقت النظرة الاقتصادية وتوافرت كوادر بشرية، حيث الجامعات في المناطق. لا يمكن لفروع أن تقوم بالدور المباشر الفني والتحليلي. الجانب التحليلي والفني يقودني إلى الجانب البشري. الملاحظة الثالثة: هناك حاجة إلى رفع الكفاءة البشرية على الرغم من تكاثر خريجي الجامعات والبعثات. استفادت المملكة من تجربة المصارف الدولية وكان لصندوق التنمية الصناعية دور مؤثر من خلال التعاون مع بنك شيس مانهاتن ولاحقا مؤسسة النقد، ولكن هذا التيار "التنموي" في النواحي البشرية بدأ في التراجع نسبيا، فمثلا لم تشترط هيئة سوق المال أو "تداول" أو مؤسسة النقد على الإدارة الوسطى ناهيك عن العليا الحصول على التأهيل الضروري عالميا مثل التحليل المالي CFA أو ما يماثلها في التخصصات الأخرى، وإنما اكتفت غالبا بشهادات من جامعات ليست بذوات وزن نوعي في هذا المجال مع تمتع أولئك بمكافآت مجزية.
الأحرى أن تطالب الجهات الرقابية بتأهيل عال منافس عالميا لكي تكون نبراسا للقطاع الخاص وتقوده بكفاءة أعلى وتجانس مهني يرفع الإنتاجية وتكافؤ الفرص. الاستحقاق التنموي قد تكون هناك مكافآت مالية مغرية لأول 200 في كل تأهيل ويشترط التقدم الوظيفي بالتأهيل. ما يجمع هذه الملاحظات في نظري هو الجمع بين الاستحقاق التنموي والحاجة إلى تطوير القطاع المالي اقتصاديا ولكن من خلال خطوات عملية يسهل تنفيذها من خلال المنظومة الموجودة حاليا. الهدف المرحلي تطوير الإطار المؤسساتي وإيجاد البنية المناسبة لتشجيع المنافسة وتوازن الصناعات المالية قطاعيا وجغرافيا وتطوير الإنسان المؤهل الذي يستطيع المنافسة عالميا.
نقلا عن الاقتصادية
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
كيف يطور القطاع المالي ضم سوق التداول الى سوق نمو وجلها سوق واحد