الاقتراض والتمويل أعباء يتحملها الأفراد بغية تحقيق هدف معين، أو شراء سلعة بعينها، أو إنشاء مشروع، أو شراء مسكن.. وتتعدد أسباب الاقتراض من شخص لآخر إلا أنه في تعريفه هو استدعاء لجزء من دخل الفرد المستقبلي لمنفعة حاضرة حالية؛ لذلك فإن وعي المقترض بسبب القرض والمنفعة منه يحميه -بعد الله- تحمُّل أعباء ما لا يطيق حتى قبل التنظيمات والقوانين.
مضى على إطلاق مؤسسة النقد العربي السعودي وثيقة التمويل المسؤول 10 أيام عمل، وهي الفترة نفسها التي أيضًا بدأت فيها البنوك إتاحة الفرصة للعملاء المقترضين عقاريًّا تحويل عقود التمويل خاصتهم من متغيرة الفائدة إلى ثابتة الفائدة. بين مبادرة البنوك ومبادئ التمويل المسؤول سيزداد ضبط سوق الإقراض في المملكة، وتحديدًا القروض ذات الأمد الطويل. ولا شك أن العقاري أهم تلك القروض طويلة الأمد.
وضعت مبادئ التمويل المسؤول تعريفات واضحة ودقيقة للاستقطاع, الدخل الدوري, نسبة الاستقطاع وصافي الدخل.. وأخذت الوثيقة في عين الاعتبار الملاءة المالية للمقترض؛ إذ جعلتها من المهام المرتبطة بمستشار التمويل ومقدم التمويل. تطلب الوثيقة من مقدم التمويل دراسة مالية مفصلة للملاءة المالية لمقدم الطلب، تتضمن مؤشرات استرشادية رئيسية مرتبطة بأعباء الحياة والتكاليف المعيشية والقروض الحسنة، وتكلفة المسكن، كذلك عمر المركبة وما يحتاج إليه الأفراد طوال أمد الالتزام (القرض)، وغيرها من المعايير الواردة في الوثيقة المرتبطة بالالتزامات المالية غير المضمنة في التقارير الائتمانية للعملاء.
إنَّ أخذ هذه المعاير في الاعتبار وتطبيق هذه الممارسات على وجه الحدود يضمنان ملاءة المقترض، وعدم تعرُّضه للضغوط من جراء تحمُّل أعباء إضافية إلى أعباء الحياة القائمة، وخصوصًا أن الاقتراض طويل الأمد يرتبط بالمسكن دائمًا، وهو حلم كبير، قد يتسبب بدفع العاطفة للمقترض نحو تحمُّل أعلى مما يطيق.
في الجهة المقابلة فيما يخص المقرضين، وبعيدًا عن كون هذه الممارسة أصبحت تنظيمًا، فإن الاستمرار في تطبيقها، وتراكم التجارب في دراسة الملاءة المالية للعملاء، يحسِّنان بدورهما من جودة القروض المقدمة؛ وعليه تتحسن جودة التحصيل، وتعزز الملاءة المالية للقطاع المالي بشكل ملموس. هذا كله يأتي وسط بيئة مالية صحية من حيث قياس نسبة التعثر في محفظة الإقراض لدى القطاع المالي.
ضمن التعريفات التي شملتها وثيقة التمويل المسؤول في جانب الدخل إضافة أو اعتبار الدخل الدوري سواء كان بدلات، تُدفع بشكل سنوي أو نصف سنوي، أو إيرادات استثمارية أو إيجارية، ضمن الدخل الدوري للفرد. وإدخال هذه العناصر الدورية ضمن احتساب الدخل الشهري للعميل يعزِّز قدرته على الاقتراض، وزيادة ملاءته المالية لتمويل أكبر.
أخذت الوثيقة في عين الاعتبار كبح الإقبال على التمويل الاستهلاكي العالي؛ إذ وضعت لكل الشرائح الثلاث حدًّا أعلى من الاستقطاع بنسبة 33 % من الدخل الشهري. وفي هذا تقنين للأعباء بمقابل. وفي التمويل العقاري تصل نسبة الاستقطاع للشريحة الأولى ذات الدخل حتى 15,000 ريال ما نسبته 55 %، وفي الشريحة الثانية حتى 25,000 ريال تصل نسبة الاستقطاع حتى 65 %، وفي الشريحة الثالثة ذات الدخل المرتفع أعلى من 25,000 جعلت الوثيقة قرار نسبة الاستقطاع لسياسات مقدم التمويل. استُثني من هذا التقسيم مستفيدو برامج الإسكان باعتبار أن ما تتحمله الوزارة أو الصندوق من تمويل أو دفع للفائدة قرض مضمون، لا يؤثر في مستوى الدخل الحُرّ لدى الأفراد.
نقلا عن الجزيرة