أصدرت منظمة التجارة العالمية أنظمة لمكافحة الإغراق التجاري الذي يهدم المنافسة التجارية السليمة. وعلى الرغم من الأحكام المتعلقة بمراقبة الإغراق التجاري التي صدرت منذ مدة إلا أن الواقع المعاش يبرز مشكلات حقيقية في معالجة الإغراق التجاري وكيفية التعامل معه لدفع التجارة العالمية. هذا التباين بشأن الإغراق التجاري وكيفية التعامل معه أصبح واضحا، مما أدى لظهور مجموعة غير رسمية أطلقت على نفسها اسم «أصدقاء مفاوضات الإغراق». وهذه المجموعة تنادي بضرورة إعادة النظر في الاتفاقية الحالية لتنظيم الإغراق التجاري بهدف تشديد أحكامها حتى يتم التصدي بحزم لكل ما يعتبر إساءة استخدام أو كيفية استعمال وتطبيق التدابير المتعلقة بمكافحة الإغراق التجاري، وليست هذه المجموعة كلها من دول العالم الثالث أو الفقيرة، بل تضم دولا صناعية عظمى، مثل: اليابان، سويسرا، الصين، البرازيل، كوريا، النرويج، سنغافورة، تايلند، تركيا، وباب الانضمام مفتوح. وهذا الوضع بين الدول يبين لنا مدى الخلاف العالمي فيما يتعلق بالإغراق التجاري وكيفية التعامل معه.
طرحت هذه المجموعة العديد من المقترحات لتشديد الضوابط المتعلقة بإجراءات التحقيق الخاصة بالإغراق التجاري، بهدف جعلها صعبة خاصة بالنسبة للحكومات التي ربما تلجأ أو ترغب في إساءة استخدام الرسوم التعويضية. وهناك مقترحات لإجراء تغييرات على اتفاقية مكافحة الإغراق من أجل إمكانية الإلغاء التلقائي لرسوم مكافحة الإغراق كل عشر سنوات بعد تاريخ فرضها، وأخرى تنادي بإلزام سلطات التحقيق بأخذ آراء الصناعيين والموردين للصناعة المحلية، إضافة للهيئات المختصة ومنظمات المجتمع المدني الخاصة بحماية حقوق المستهلك، والنظر في الممارسات المتعلقة بنظام طريقة حساب رسوم الإغراق، لأن البعض يرى أنها غير قانونية أو مخالفة للقانون، وهذا أمر خطير. كذلك هناك اقتراحات بوضع تدابير محددة ضد محاولات التحايل على رسوم مكافحة الإغراق، والعمل على إنشاء نظام جديد للاستعراض الدوري لممارسات الدول المتعلقة بمكافحة الإغراق التجاري بصورة تجعلها مشابهة لاستعراضات السياسات التجارية.
اعترضت الولايات المتحدة بشدة على المقترحات التي تنادي بإجراء تغييرات جوهرية في اتفاقية مكافحة الإغراق، خاصة فيما يتعلق بإنهاء رسوم مكافحة الإغراق بعد عشر سنوات. وفي نظر الولايات المتحدة، ومن معها، فإن الأحكام المتوفرة في الاتفاقية فعالة في مواجهة الإغراق التجاري ومحاربته.
مما تقدم فإن تباين المواقف واضح بين الدول فيما يتعلق باتفاقية مكافحة الإغراق التجاري. وهذا التباين يعود للمصالح الخاصة بهذه الدول وكيفية نظرتها للأمور من الوجهة التي ترى فيها مصلحتها ومصلحة شركاتها ومنتجاتها وصناعتها الوطنية وما تقوم به من «لوبي» قوي، والكل بالطبع يبحث عن مصلحته الخاصة دون النظرة المحايدة.
وفقا للاتفاقية السارية فإن الإغراق يحدث إذا قامت شركة بتصدير منتج بسعر أدنى من سعر بيعه في سوق البلد المصدر أو أقل من سعر تكلفة إنتاجه، وألا يكون البلد المستورد منتجا لهذه السلعة، وحتى إذا كان البلد منتجا لها فعليه أن يثبت أن وارداته الأجنبية من هذا المنتج تضر أو تهدد بإلحاق الضرر بمنتج مماثل مصنوع محليا. إذا حدث مثل هذا الوضع فإن ما تم يعتبر «إغراقا تجاريا» وفق الأحكام الواردة في اتفاقية منظمة التجارة العالمية.
ولكن هل هذه الممارسة تشكل منافسة تجارية غير مشروعة؟ وللإجابة عن هذا التساؤل يحدث الخلاف في الآراء والتباين في الأفكار، وهذا يعود أساسا إلى أن اتفاقية منظمة التجارة الدولية لمكافحة الإغراق لا تنص على أحكام فنية صارمة وواضحة حول الإغراق، وما كنه هذا الإغراق؟ وما حدوده الفاصلة؟
ما يؤخذ على اتفاقية مكافحة الإغراق التي أصدرتها منظمة التجارة العالمية أنها تنحصر فقط بصفة أساسية في الأحكام المتعلقة بحق الحكومات في فرض رسوم الإغراق عندما يوجد ضرر حقيقي ومادي للصناعة المحلية. ولكن هذه الاتفاقية، كما ذكرنا، لا تعطي كل التفاصيل الشاملة للتعامل مع هذه الأحكام الخاصة بحقوق الحكومات في فرض رسوم الإغراق. وفي ظل هذا الفراغ من الطبيعي أن تحدث الخلافات. وهذا الوضع النشاز المستمر من دون شك يحتاج لوقفة مواجهة صريحة مع ضرورة النظرة المنطقية من الجميع مع التجرد من الأنانية الذاتية، خاصة إذا كانت هناك رغبة حقيقية لدعم التجارة لصالح الجميع.
نقلا عن مكة