لم تكن رؤية (2030) حبرا على ورق أو خططا بدون واقع أو أحلاما يصعب تحقيقها، بل أصبحت حقيقة على أرض الواقع وبدأ تفعيل رؤية (2030) في برامج اقتصادية داعمة ومساندة للناتج القومي، وقد أتى برنامج التخصيص بفكر حديث تجاوز كل السلبيات التي وقعت فيها بعض من الدول عند اتخاذ قرار التخصيص، وأجزم بأن فكر التخصيص في المملكة العربية السعودية سيكون مختلفا عن فكر التخصيص في دول نامية أخرى، وهي إجابة لكل من ساوره قلق من موظفي القطاعات التي ستخصص واعتقاده أن التخصيص يعني الاستغناء عن خدمات الموظفين في هذه القطاعات أو القلق الكبير الذي ينتاب المواطنين تجاه نتيجة خصخصة قطاع الصحة والتعليم بفرض رسوم على العلاج في المستشفيات الحكومية أو رسوم على التعليم العام، وهو أمر مخالف لواقع التخصيص المخطط له فستظل مجانية العلاج في المستشفيات الحكومية للمواطنين وسيضاف إليها بعد التخصيص تطوير الخدمة ورفع مستويات الأداء والإنتاجية والجودة في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية.
وينطبق ذلك أيضا على خصخصة التعليم العام مع ضمان مجانية التعليم لجميع المواطنين السعوديين بالإضافة إلى تطوير آليات التعليم بتحديث مناهج ومقررات التعليم ورفع مستوى المعلمين وتهيئة البيئة المناسبة للتعلم من خلال إنشاء المدارس المثالية في المنشآت والتجهيزات وذلك بالتوجه لإعطاء القطاع الخاص المتخصص الفرصة في إدارة وتشغيل المدارس أو بناء المدارس الحكومية.
إن تحديد 10 قطاعات مستهدفة للتخصيص كالإسكان والصحة والتعليم والنقل والحج والعمرة والاتصالات وغيرها يؤكد توجه الدولة نحو تطوير هذه الخدمات للمواطن والقضاء على الفاقد من هذه الخدمات نتيجة سوء الإدارة أو ضعفها وبالتالي انخفاض عوائد الدولة من إيراداتها.
وفي مجمل التوجه هو تحقيق الهدف الرئيسي نحو عدم الاعتماد على النفط كمورد أساسي لميزانية الدولة، إذ إن مؤشر المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي عام (2020م) يلتزم بتحقيق نحو 13-14 مليار ريال، كما يتوقع بأن إجمالي العوائد الحكومية من مبيعات الأصول نحو 35-40 مليار ريال، كما أن صافي وفورات الدولة (النفقات الرأسمالية والنفقات التشغيلية) من التخصيص يقدر بنحو 25-33 مليار ريال، كما يتوقع أن تخلق وظائف في القطاع الخاص تبلغ نحو 10-12 ألف وظيفة بحلول عام (2020) من جراء برامج التخصيص، وهذا يؤكد على أن إيجابيات برامج الخصخصة وعوائدها الاقتصادية على الاقتصاد العام كبيرة جدا ليس في مجال بيع الأصول فقط وإنما هناك عوائد اقتصادية واجتماعية على المدى البعيد، حيث إن الخصخصة لم تعد خيارا بالنسبة للمملكة بل أصبحت ضرورة من أجل تحسين المناخ الاستثماري ورفع كفاءة المؤسسات العامة وتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية ورفع معدلات النمو الاقتصادي وجعله أكثر تماشيا مع الاقتصاد العالمي.
وتهدف الخصخصة بشكل عام إلى إعادة توزيع الأدوار بين القطاع العام والخاص وانسحاب الدولة تدريجيا من بعض النشاطات الاقتصادية وفسح المجال أمام المبادرات الخاصة عن طريق تشجيع الاستثمار الخاص، وستخفف من الأعباء المالية التي تتحملها ميزانية الدولة، وستؤدي إلى ترشيد الإنفاق وتحسين الخدمات، ورفع كفاءة الإدارة والتشغيل، وتشجيع المنافسة، وفك الاحتكار، وستخلق مناخ الاستثمار المناسب وتشجيع الاستثمار المحلي لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، وكذلك تعتبر الخصخصة وسيلة لسهولة الانتقال إلى الأسواق الحرة، بالإضافة إلى الدور الهام للخصخصة في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وتفعيل الرقابة ومواكبة التقدم التكنولوجي.
وهذا يعني أنه على القطاع الخاص أن يعيد بناء نفسه بهيكلة مؤسساته وشركاته ماليا وفنيا وأن يبدأ بالاستعانة ببيوت الخبرة المتخصصة والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة لتحمل مسؤولية الخصخصة التي تستهدفه كعنصر رئيسي في هذه البرامج، وقد يكون من الضروري جدا على الغرف التجارية والصناعية في المملكة البدء في نشر ثقافة فكر الخصخصة السعودية نظرا لقلة التجارب السابقة بالمملكة وتجنبا لاستغلال القطاع الخاص المحلي واستخدامه كوسيلة للسيطرة على أصول الدولة من قبل القطاع الأجنبي، وكذلك يجب توفير حماية لموظفي الدولة تجنبا لإقالتهم والحفاظ على حقوقهم وضرورة تطوير مهاراتهم في العمل، وعلى هيئة الاستثمار العمل على تحويل برنامج الخصخصة إلى ورش عمل وندوات ومؤتمرات مستمرة لتثقيف المستثمرين السعوديين والأجانب بخطط الخصخصة السعودية، وتوعيتهم الصحيحة بصياغة عقود التأجير والإدارة مع الشركات، وضرورة إنشاء جهات رقابية لرصد المخالفين ومعاقبة المتجاوزين للأنظمة والقوانين، ومنع الاحتكار من قبل شركات أو مستثمرين محددين، وكذلك ضرورة تحديد سقف لمساهمة الرأسمال الأجنبي تجنبا لسيطرته على أصول الدولة، وحماية المواطنين من ارتفاع الأسعار المبالغ فيها وربط الخدمات بالجودة والكفاءة المقدمة.
نقلا عن عكاظ