الشباب لديهم فرصة أكبر للنجاح عندما يتعلق الأمر بالإدخار والإستثمار مبكراً٬ فبالإضافة إلى عامل الوقت الذي غالباً ما يكون في صالحهم٬ فإن أيضاً ألتزاماتهم المالية والإجتماعية هي أقل بكثير من الأخرين٬ فكلما تقدم الوقت٬ كلما زادت إلتزامات الفرد ومسؤولياته٬ كسداد أقساط التمويل العقاري مثلاً أو تلبية نفقات الأسرة والأبناء. لذلك يجب على هؤلاء الشباب إستغلال هذه الفرصة والبدء بالإدخار مبكراً. ولكي يسهل عليهم ذلك٬ يجب أن يقوموا بتحديد مصروفاتهم وتغيير ثقافاتهم المالية٬ بتجنب بعض العادات اليومية التي تستنزف جزء كبير من أموالهم٬ مما يمكن لهم ليس إدخار المال فقط٬ بل وأيضاً على توفير الوقت الذي يعتبر هو المال إذا تم إستغلاله جيداً٬ وبالتالي سوف يؤثر ذلك إيجابياً على زيادة خياراتهم من الفرص الإستثمارية المتاحة٬ والتي سوف تساعدهم على تحقيق أهدافهم طويلة الأجل٬ والوصول إلى الحرية المالية والأمان المالي في المستقبل القريب.
ولإن الإدخار فعل وليس إسم٬ فإن نصيحة وران بافيت تختصر لنا الكثير عن الإدخار أذا طبقت فعلاً٬ والتي تقول "لا تدخر ما تبقى بعد الصرف٬ بل أصرف ما تبقى بعد الإدخار"٬ فالإدخار يأتي أولاً وقبل كل شيء٬ بالإنضباط الذي هو في رأي سر نجاح عملية الإدخار٬ بتخصيص مبلغ محدد يتم إدخاره شهرياً٬ أو بإدخار ١٠٪ كحد أدنى من إجمالي الدخل الشهري٬ وزيادة هذه النسبة إلى ١٥٪ و٢٠٪ أو أكثر مع مرور الوقت٬ والذي من المفترض أن تزيد كلما زاد الدخل٬ وهو ما يوصي به أكثر خبراء التخطيط المالي.
وأيضاً يرتبط الإدخار إرتباطاً وثيقاً بالإستثمار٬ فهما في رأي وجهان لعملة واحدة٬ وبالإضافة إلى أهمية الإنضباط في عملية الإستثمار٬ ألا أن سر نجاحه هو في إستخدام طريقة العائد المركب (Compounding Return)٬ والتي يقول عنها أينشتاين أنها أعظم إكتشاف رياضي على مر العصور. فالعائد المركب هو أحد أهم طرق الإستثمار٬ وهو ببساطة عبارة عن إعادة إستثمار الأرباح الناتجة من الأرباح السابقة خلال فترة معينة طويلة الأجل (كما هو موضح في الجدول إدناه)٬ بحيث تكون أشبه بكرة الثلج التي تراها تتدحرج وتكبر أمامك مع مرور الوقت. وهذا ما يؤكد عليه وارن بافيت خلال فترة إستثماره لأكثر من خمسة عقود٬ عندما يقول إن من أهم عوامل نجاحه كمستثمر في حياته المهنية بالإضافة إلى إستثماره في السوق المالي الأمريكي٬ هو إستخدامه لطريقة العائد المركب (Compound Return).
*جدول يوضح طريقة العائد المركب
فيلاحظ من الجدول أن إجمالي العائد المركب أكثر بقليل بـ (٧٦.٢٥ ريال) من إجمالي العائد البسيط فيما لو تم إستخدامه (١٠٫٠٠٠*٥٪*٣ سنوات = ١٫٥٠٠ ريال)٬ وذلك نتيجة لقصر مدة فترة الإستثمار والتي هي ٣ سنوات فقط٬ والذي يعتبر أي الوقت٬ عامل أساسي لإظهار قوة العائد المركب ومدى تأثيره على المحفظة الإستثمارية٬ لذلك فإن الإدخار والإستثمار مبكراً يعتبر فرصة يجب إستغلالها خاصة من قبل للشباب٬ والتركيز على الإستثمار طويل الأجل.
ولمعرفة تأثير قوة العائد المركب وإرتباطه بإعادة الإستثمار طويل الأجل٬ فإن قصة الشباب شاكر ومحمود سوف توفي بالغرض٬ والتي تقول أن شاكر بداء بالإدخار من عمر ١٩ عاماً مبلغ ٣٠٠ ريال شهرياً (٣٫٦٠٠ ريال سنوياً) وتم إستثماره بشكل سنوي بعائد مركب ١٠٪ فقط٬ ثم توقف عن الإدخار عند سن ٢٧ أي بعد ٨ سنوات٬ لكنه لم يتوقف عن إستثمار المبلغ السنوي ٣٫٦٠٠ ريال بطريقة العائد المركب إلى أن تقاعد عند سن ٦٥. أما محمود فقد بدأ متأخراً في الإدخار عن صديقه شاكر٬ حيث بداء عند سن ٢٧ وبنفس المبلغ ٣٠٠ ريال٬ وأيضاً تم إستثماره بنفس العائد المركب ١٠٪ فقط٬ لكنه لم يتوقف عن الإدخار إلى سن الـ ٦٥. فكانت النتيجة هي كالتالي:
فكما هو ملاحظ من الجدول الذي تعمد أن أضعه كاملاً٬ لكي توضح الصورة ويظهر مدى تأثير قوة ونمو المحفظة الإستثمارية بطريقة العائد المركب٬ من مبلغ ٣٠٠ ريال شهرياً والذي يعتبر زهيداً لدى البعض إلى مليونين ريال تقريباً٬ وأيضاً زيادة محفظة شاكر الإدخارية بـ ٢٧٣٫٥٥٤ ريال وبدون أي إضافة بعد السنة الثامنة على عكس صديقه محمود٬ الذي أدخر ١٤٠٫٠٠٠ ريال خمسة أضعاف ما أدخره وأستثمره شاكر وهو ٢٨٫٨٠٠ ريال فقط. هذا النجاح الذي حققه شاكر كان نتيجة البدء بالإدخار والإستثمار مبكراً وإستخدام العائد المركب٬ لذلك أستعن على الإدخار بالإستثمار كما يقال٬ وأبدا مبكراً.
وأخيراً بعض المفاهيم التي أود أن أعرج عليها:
-لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
-الإدخار لا يعني التوقف عن الاستمتاع بمتع الحياة أكثر من جعلها أكثر متعة وأماناً في الحاضر وللمستقبل
-الإدخار ليس بخلاً٬ كما أن التبذير والإسراف ليس كرماً
-يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: (أوكلما أشتهيت أشتريت)٬ يجب ضبط النفس والتحكم في ما نصرف
-لا تصدق مقولة أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب٬ بل صدق الآية الكريمة التي تقول: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا. صدق الله العظيم (سورة الأسراء: آية ٢٩) أقتصد
-الإدخار فقط لن يحقق لك أهدافك المالية٬ لذلك لا بد من الإستثمار لكي ينمو ويكبر
-الهدف من الإستثمار هو توفير دخل إضافي والوصول إلى الأمان المالي والحرية المالية
-الأمان المالي هو تغطية المصاريف والفواتير الحالية أو المستقبلية٬ الحرية المالية أكبر من ذلك بكثير
-الزيادة في الدخل٬ تجعل بإمكانك أن تدخر أكثر٬ وتستثمر أكثر٬ وبالتالي تحقق الحرية المالية في فترة زمنية أقل
-هناك فرق بين الدخل والثروة!
-تذكر مقولة بافيت التي تقول: الدرس الأول في الاستثمار هو ألا تخسر٬ والثاني هو تطبيق الدرس الأول
-أفضل أنواع الأصول التي يجب أن تستثمر فيها هو أنت
-هناك فرق بين العائد البسيط والعائد المركب٬ وفي بناء المحافظ الإستثمارية دائماً ما يتم إستخدام العائد المركب
-الحرية المالية والنجاح المالي والثروة يختلف في تعريفها من فرد لآخر٬ لكن في جميع الأحوال لا يتم تحقيقها في ليلة وضحاها٬ والطموح ليس له حدود
-يقول سيدنا علي كرم الله وجه: (أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا وأعمل لأخرتك كأنك تموت غدا)
شكرا لك .