وُقّعت العديد من الاتفاقيات خلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لبريطانيا بعد أن أطلق رسميًّا مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودية - البريطانية. وشملت الاتفاقيات مجالات تعاون وشراكة ضخمة في قطاعات عديدة، وبحجم يُتوقع أن يصل إلى 100 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة.
وقد أصبحت المملكة المتحدة بموجب هذه الشراكة أحد أكبر الشركاء والداعمين لرؤية 2030م. لكن من بين أبرز الاتفاقيات المهمة التي وُقعت يأتي التعليم والصحة على رأسها، وهما القطاعان اللذان تخصص لهما المملكة سنويًّا نحو 37 % من الميزانية العامة للدولة منذ سنوات طويلة، إلا أن الرؤية تهدف إلى الانتقال بهذين القطاعين لمستوى أفضل من حيث الجودة والكفاءة مع التوجهات للخصخصة بالقطاعين؛ فالشراكة مع بريطانيا التي عيَّنت مبعوثين خاصين للمساهمة بدعم تحقيق أهداف الرؤية في كل قطاع سيكون لها أثر كبير بنقل خبرات بريطانيا للمملكة في التعليم والصحة، وخصوصًا أنها تحظى بترتيب عالمي متقدم جدًّا في هذه القطاعات، ومن الدول الأولى دائمًا وفق مختلف التصنيفات التي تصدر عن مؤسسات عالمية متخصصة بتصنيف وترتيب الدول عالميًّا في جودة وكفاءة التعليم وكذلك الصحة العامة.
فالمملكة بحاجة إلى الانتقال بالتعليم؛ ليكون متقدمًا في مجالات التقنية والمعرفة لتأهيل الكوادر الوطنية، ودعم التوجُّه للتخصصات العلمية والتقنية، مع التوجُّه لتقليص الاعتماد على العمالة الوافدة الكثيفة رخيصة الأجر؛ وذلك لتحقيق أهداف عديدة، ترفع من تنافسية الاقتصاد الوطني، وتخفض نِسب البطالة، وتوطن التقنية والمعرفة، وتتماشى مع تلبية احتياجات المشاريع العملاقة، مثل «نيوم»، لكفاءات ذات تعليم وتأهيل متقدم؛ ولذلك فإن الاستعانة ببريطانيا تُعد عاملاً مساندًا لتسريع إنجاز الأعمال المطلوبة لتطوير منظومة التعليم بمختلف الفئات العمرية، وفي التعليم العام والعالي خصوصًا، بعد أن تم افتتاح عشرات الجامعات والكليات التقنية والمهنية بمناطق المملكة كافة، مع وجود قرابة ستة ملايين طالب وطالبة في المدارس والجامعات والكليات التقنية؛ فنسبة الشباب بالمملكة تصل إلى 68 % ممن هم دون 30 عامًا، وهم ثروة وطنية كبيرة، ورأس مال بشري، يُعد عماد نجاح الرؤية؛ ولذلك فإن تأهيلهم علميًّا ومعرفيًّا يُعد أهم استثمار تتجه له الدولة في إطار رؤية 2030م، وهو ما يتضح من الشراكة مع بريطانيا لنقل خبراتها في التعليم والتأهيل للمملكة.
أما القطاع الصحي فإن بريطانيا تُعد رائدة عالميًّا في النظام الصحي الحديث؛ إذ تتفوق في الرعاية الأولية دوليًّا، وفي مجالات التدريب والتأهيل للكوادر الصحية، وتُعد مدرسة عالمية في مجال الرعاية الصحية. ولأن السعودية تتجه للنهوض بالخدمات الصحية في الرعاية الأولية، وفي الاتجاه لرفع نِسب توطين القطاع الصحي، من خلال زيادة الكوادر الوطنية العاملة به مع التوجُّه أيضًا للخصخصة، فإن بريطانيا تُعد من الاختيارات المهمة للمساهمة في تحقيق نِسب مرتفعة من مستهدفات رؤية 2030 في القطاع الصحي.. فبالرغم من وجود 26 كلية طب بخلاف كليات العلوم الطبية إلا أن نسبة الكوادر الوطنية في القطاع الصحي ما زالت محدودة، ولا تتعدى 30 في المائة من إجمالي الأطباء العاملين بالمملكة؛ وهو ما يستدعي التغيير الجذري في نِسب القبول والتأهيل للعمل بالقطاع الصحي للمواطنين، إضافة إلى تحسين النظام الصحي والرعاية بالمملكة، وخصوصًا في الرعاية الأولية؛ إذ يزداد الضغط على المستشفيات نتيجة لانخفاض دور هذا النوع من خط الدفاع الأول في تقديم الخدمات الصحية.
التعليم والصحة من أهم القطاعات التي شملها التعاون الاستراتيجي بين السعودية وبريطانيا، وسيُسهم ذلك في تسريع تهيئة البيئة المناسبة لتطوير الأنظمة التعليمية والصحية، ورفع كفاءة الإنفاق واستثمار المرافق التعليمية والصحية بكفاءة أفضل لتحقيق الأهداف المنشودة من حيث الارتقاء بالتعليم ومخرجاته، وكذلك جودة الخدمات الصحية.
نقلا عن الجزيرة