يتزايد انتشار مفهوم أو نظام الاستدامة في الأعمال حول العالم وخصوصا في الآونة الأخيرة، لكن تعريف الاستدامة ليس محصورا فقط في النتائج المالية، كما يتصور البعض وليس مرتكزا على البيئة كما كان سابقا، بل هو أشمل من ذلك حسب مصطلح triple bottom lineor triple Ps (Profit, People and Plant) (الخطوط الثلاثة النهائية) الذي يتطلب تحقيق نتائج إيجابية لثلاث استراتيجيات أو نواحٍ من العمل وهي: الاستدامة الاقتصادية أو المالية، الاستدامة الاجتماعية أو البشرية والأخيرة الاستدامة البيئية حسب مبتكر هذا المفهوم وهو جون الكنقتون John Elkington عام 1994.
هذا المبدأ أو المصطلح أخذ هذا الاسم أو التعريف بسبب أن النتيجة الأهم والمعتبرة دائما تنحصر في المحصلة النهائية أو الخط السفلي في العملية الحسابية أو في القائمة المالية، على سبيل المثال في القائمة المالية للدخل أول سطر فيها هي المبيعات ومن ثم تأتي بقية البنود من التكاليف حتى نصل في النهاية إلى صافي الربح وهو المحصلة والرقم المهم، لهذا إذا كان هذا الرقم بالموجب فذلك يعني تحقيق نتيجة إيجابية أما إذا كان بالسالب فذلك يعني الخسارة، على هذا الأساس جاءت هذه التسمية، فيجب تحقيق نتيجة إيجابية في كل استراتيجية من الثلاث حتى نستطيع أن نطلق على الشركة أو المنشأة لقب منشأة مستدامة.
الاستدامة المالية: لا يمكن تصور منشأة (طبيعية) تستمر بالعمل لفترة طويلة وهي تحقق نتيجة سلبية (خسارة) في نتائجها المالية، فبدون نتائج مالية واقتصادية إيجابية لن يكون هنالك استمرارية وهذا يتطلب تحسينا مستمرا في المنتجات والمبيعات ومراقبة ممتازة على التكاليف ورفع الإنتاجية والكفاءة في المنشأة.
الاستدامة الاجتماعية (البشرية): يندرج تحت هذا المفهوم أهداف عدة منها العدل والمساواة بين الموظفين سواء في الرواتب أو المزايا أو المعاملة، التطوير والتدريب، ساعات العمل المقبولة التي تحافظ على وقت مناسب للإنسان مع أسرته، إيجاد بيئة عمل صحية وآمنة وعدم تعريض العاملين إلى مخاطر إضافة إلى المسؤولية الاجتماعية والمشاركة المجتمعية بالمساعدات والمنح في مجالات تساعد على تنمية المجتمع وتقويته مثل الصحة والتعليم والتدريب وغيرها، طبعا يصعب قياس هذه الأهداف بالأرقام لكن هنالك معايير معتمدة تساعد على تحويلها إلى أرقام.
الاستدامة البيئية: لعل هذه الاستراتيجية هي الأكثر شيوعا عند الحديث عن الاستدامة، وتحتوي هذه الاستراتيجية على كثير من الجوانب المهمة التي تمس أغلب قطاعات الأعمال والشركات خصوصا المصانع، الزراعة، المنتجات الحيوانية أو السمكية وغيرها كثير.
لعل واحدة من أهم الجوانب هي الانبعاثات الكربونية، فما نشاهده اليوم من خلافات بين الدول يعود جزء منه إلى الاتفاقيات حول الانبعاثات الكربونية وأشهرها اتفاق باريس المناخي، فتم تحديد حجم انبعاثات بين الدول التي يجب عليها الالتزام به وهذا يحد من توسعها الاقتصادي أو الصناعي وعليه كان كثير من الخلافات، على جانب آخر تحث هذه الاستراتيجية على تقليل المنشأة من استهلاكها من الكهرباء والوقود ومحاولة الحصول على الطاقة من مصادر متجددة، أيضا تقليل المخلفات خصوصا الصناعية التي تكون في الأغلب سامة وحث الشركات على بناء نظام أو على الأقل المساهمة في إعادة تدوير النفايات بجميع أشكالها، عموما هنالك كثير ما يمكن أن يضاف في هذا الجانب ويمكن قياسه بالأرقام كذلك.
هنالك إيجابيات كثيرة لتطبيق نظام Triple Bottom Line وتصنيف الشركة على أنها TBL (شركة مستدامة) منها:
1 -تحسين صورة وسمعة الشركة ورفع قيمة العلامة التجارية.
2 -رفع كفاءة الشركة وتقليل التكاليف.
3 -رفع قدرة الشركة لمواكبة أي أنظمة جديدة خصوصا فيما يخص البيئة والتطور المستمر في القوانين للحفاظ عليها.
4 -تزيد جاذبية الشركة خصوصا لاستقطاب الموظفين المميزين وكذلك للمستثمرين.
5 - تقليل التالف أو المخلفات وهي في العادة ذات تكاليف على الشركات، فكلما قل التالف في الإنتاج قلت تكلفة الإنتاج وزادت كفاءة خطوط الإنتاج.
6 -عندما تطبق الشركة هذه الاستراتيجيات وتنجح بها فهي ترضي وتسعد الملاك وحملة الأسهم بشكل عام.
قد يتصور البعض أن بعض هذه المهام أو الاستراتيجيات قد لا تكون مهمة أو أنها ترف لكن ومع الاتجاه المتزايد نحو تطبيقها حول العالم سوف تكون واقعا بالنسبة للشركات هنا بعد فترة، اليوم توجد هيئات تعطي الشركات شهادة استدامة وهنالك شركات كبرى وكثيرة استطاعت الاجتياز وتحقيق المتطلبات وحققت نتائج إيجابية في كل استراتيجية منها مثل شركة فورد، ستاربكس، نايك، جونسن آند جونسن وغيرها.
طبعا لا أطالب هنا بتطبيقها بشكل كامل (وهذا قد يبدو صعبا الآن) لكن من الجميل أن نستعد ونتفاعل بشكل تدريجي، ويتم إدراجها بشكل متدرج في استراتيجيات الشركات خصوصا أننا في السعودية نحتاج إلى تطبيق كثير من هذه الجوانب مع الاتجاه نحو «الرؤية» وما تحمله من جوانب مهمة، وأنا متأكد على مدى سنوات إذا تم البدء بتطبيق هذه الاستراتيجيات قد نرى عددا من شركاتنا حصلت على شهادة الاستدامة من إحدى الهيئات الموثوقة.
نقلا عن الاقتصادية