الاتصالات وتقنية المعلومات من أهم القطاعات التي تعول عليها حكومة المملكة في رؤيتها المستقبلية، فهي حجر الأساس نحو النمو والازدهار ومواكبة المتغيرات العالمية وتسهيل الإجراءات، ودعم قطاع الاعمال وكبح البيروقراطية في الإدارات الحكومية التي عطلت عجلة التنمية، وكذلك مساهمتها في محاربة الفساد من خلال البرامج الآلية التي تضمن عدالة المنافسة، وتحقيق أقصى درجات الكفاية الاقتصادية وتعزيز مبدأ الشفافية والنزاهة.
ولأجل ذلك بدأت الحكومة خطوات جادة ومتسارعة للاستثمار في قطاع تقنية المعلومات خلال السنوات القادمة، وسوف يكون هذا القطاع هو المولد الرئيسي للوظائف، حيث يوفر العديد من الفرص الوظيفية، وتشير بعض الدراسات إلى أن قطاع تقنية المعلومات زاد من دخل الفرد في المجتمعات المتقدمة بنسب كبيرة بفضل التطور التكنولوجي في تلك البلدان، وتحسنت معه حياة الأفراد والمجتمعات واختصرت به الوقت والجهد وقلصت النفقات.
كما أدركت الحكومة أهمية توطين قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، لما لذلك من آثار إيجابية منها توفير فرص عمل جيدة ذات دخل مرتفع للمواطنين وحماية المستثمرين السعوديين في هذا القطاع من منافسة الوافدين، وأيضاً مساهمة التوطين في حفظ أمن وسرية المعلومات سواء في القطاعات الحكومية أو القطاع المالي أو حتى معلومات الأفراد، حيث إن بقاء هذا القطاع بيد الوافدين له مخاطر عالية جداً، قد تصل إلى حد تسريب معلومات هامة سواء مالية أو اجتماعية، وقد تساهم في تسهيل الاختراقات للأنظمة الحكومية والشركات المالية وقطاع الأعمال.
قبل سنتين بدأت وزارة العمل ووزارة التجارة حملة كبيرة جداً، تهدف إلى قَصْر العمل في مهنتي بيع وصيانة أجهزة الجوالات وملحقاتها على السعوديين والسعوديات بشكل كامل، بهدف إيجاد مزيد من فرص العمل للقوى العاملة الوطنية،وقد نجحت الحملة في بدايتها ولاحظنا استيعاب أعداد ليست بالقليلة من المواطنين للعمل في هذا المجال، إلا أنه بعد مرور أشهر قليلة عاد الوضع كما كان عليه سابقاً، وخرج المواطنون كما دخلوا، وفي اعتقادي بأن ذلك كان سببه وزارة العمل التي لم تلتزم فعلياً بمراقبة المحلات، وإغلاق من لم يلتزم بالتوطين، وليس ذلك التوطين الوهمي في المكاتب الإمامية للمحلات، بل يتعداه الى مراكز الصيانة والبرمجيات التي تدار بيد وافدين في المكاتب الخلفية.
أما توطين قطاع تقنية المعلومات فإنه يسير ببطء شديد، ولازال الوافد هو المسيطر على هذا المجال بالرغم من وجود مواطنين لديهم شهادات متقدمة في مجال نظم المعلومات وتقنية المعلومات والهندسة التقنية، والبعض حصل على أعلى الدرجات العلمية من الجامعات المرموقة في الدول المتقدمة تكنولوجياً، إلا أنه من المؤسف أن نجد أصحاب هذه التخصصات الهامة جداً يعملون في وظائف لا تمت بأي صلة لشهاداتهم التي حصلوا عليها وانفقت عليهم الدولة ملايين الريالات، وبعد سنوات من عملهم في مجال يختلف عن تخصصهم الحقيقي يفقد حاملوا هذه الشهادات جل ما تعلموه وتخسر معه الدولة مبالغ كبيرة جداً على تعليم في تخصص لم تستفد منه، في البنوك مثلاً من ضمن الشهادات التي يتم قبولها للتوظيف نظم معلومات أو هندسة شبكات، ولكن ليس للعمل في مجال التقنية البنكية أو في نظم المعلومات أو أمن المعلومات، ولكن لكي يعمل في وظيفة صراف أو خدمات عملاء بينما أمن المعلومات وهندسة الحاسبات وتقنية المعلومات والبرامج كلها بيد الوافدين وبرواتب خيالية، وكان الأجدى الاستفادة من هؤلاء المواطنين المؤهلين في هذا المجال وضمان استمرارية ونضج المواطن واهتمامه بمنجزات الوطن.
بعد تحليل الأرقام الإحصائية لقطاع أنشطة تكنولوجيا المعلومات والحواسيب وصيانتها ومنافذ البيع فيها، نجد أن هنالك حوالي 7,444 منشأة تعمل في هذا المجال تستوعب حوالي 33,589 موظفاً، عدد الأجانب المشتغلين بها يتجاوز 23,244 موظفاً بنسبة تقدر بـ69%، وإجمالي تعويضات العاملين في هذا القطاع حوالي 1,162 مليار ريال يقدر متوسط الراتب الشهري حوالي 3000 ريال للموظف، وهذا القطاع يحقق إيرادات تتجاوز 13 مليار ريال في السنة والأرقام فقط للمنشآت التجارية التي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، وليست من ضمنها الإدارات التي تعمل في هذا المجال سواء في القطاع الحكومي أو الشركات، أما قطاع الاتصالات فان عدد المنشآت التي تعمل فيه يقدر بأكثر من 4,206 منشأة تستوعب حوالي 58,417 وظيفة يمثل الوافدين فيها أكثر من 15,274 موظفاً بنسبة 26% وإجمالي التعويضات في السنة أكثر من 5 مليار ريال يتجاوز الراتب الشهري للموظف حوالي 7500 ريال في الشهر.
اذا توطين قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات سوف يوفر حوالي 39 الف فرصة وظيفية للمواطنين، هذا غير الوظائف المتاحة في الشركات والوزارات والمؤسسات الحكومية ولدينا أيضاً حوالي 12 الف منشأة تعمل في هذا القطاع غالبيتها تمارس أعمالها تحت مظلة التستر، وبتوطين هذا القطاع سوف نقضي على التستر، ولكن يجب على الحكومة توفير بيئة جاذبة للمواطن الراغب في العمل منها على سبيل المثال توفير ساعات عمل محددة، وحد أدنى للأجور أما المواطن المستثمر في هذا القطاع يجب توفير بيئة تنافسية عادلة، وأهمها توحيد ساعات العمل لان المواطن لديها مسؤولياته العائلية وعلاقاته الاجتماعية، وكذلك تقديم التمويل اللازم للبدء في المشروع او تطوير مشروعه الحالي مع التركيز على الصناعات المحلية لبعض المنتجات التكنولوجية، بدلاً من استيرادها وأيضاً لابد من تظافر الجهود سواء من وزارة العمل أو وزارة التجارة أو وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وأيضاً الشركات الكبيرة في تدريب وتأهيل المواطنين لإحلالهم بدلاً عن الوافدين، ووضع هدف سنوي لتحقيق التوطين بنسب محدده لكي لا يتضرر القطاع ونعود مرة أخرى للاعتماد على الوافد لأن التجارب السابقة أثبتت فشل التوطين الكامل.
نقلا عن الرياض