عام 2018م سيشهد تحولا كبيرا فيما يخص ارتباط العمالة بأصحاب العمل، ومع بداية السنة سيتم تطبيق رفع رسوم المقابل المالي على العمالة الوافدة تزامنا مع خطة التحول تدريجيا، وبلا شك سيؤثر ذلك على تكاليف منشآت القطاع الخاص، وأنا مقتنع بأن تلك الرسوم سيتم مراجعتها بشكل دوري، ومقتنع بأن نجاح تقليص معدلات البطالة سيسرع من مراجعة تلك الرسوم، والسؤال الأهم هنا: كيف ننجح في تقليص معدلات البطالة ابتداء من 2018م؟.
لا نختلف على أن سوق العمل السعودي فيه تشوهات تراكمت لسنوات ويحتاج لإصلاحات، ولا يعني ذلك أننا سنقف مكتوفي الأيدي دون تطبيق إصلاحات عاجلة، فما زالت معدلات البطالة بدون أي تحسن يذكر وفقا للإحصائيات الرسمية للهيئة العامة للإحصاء، وهذا الناتج لا تتحمله وزارة العمل بشكل مفرد، ولكن لها دورا أساسيا من خلال إستراتيجياتها التي يتم تطبيقها على القطاع الخاص، وأهم إستراتيجية للوزارة تكمن في نجاح تحقيقها هدفها الإستراتيجي الثامن في برنامج التحول الوطني والمعني بتوفير فرص عمل لائقة للمواطن، والتي يكون مردودها المالي مناسبا حتى نخرج من دوامة الدوران الوظيفي العالي بسبب التركيز على توطين المهن التكميلية.
الذي لمسته بالأيام الأخيرة من وزارة العمل أنها تسعى لتطوير سوق العمل ومعالجة تشوهاته في عام 2018م بإستراتيجيات تختلف عن السنوات السابقة، وكوجهة نظر شخصية أرى أننا مقبلون على مرحلة مهمة نحتاج فيها لأن تكون وزارة العمل كذراع للقطاع الخاص وذلك من خلال تغيير النهج السابق في علاقتهم، ومن خلال ذلك أرى أنه من المهم أن يتم العمل على إستراتيجيتين إحداهمها مركزية تتعلق بالتنظيمات التشريعية، والأخرى مناطقية مختصة بالتوطين ترأسها وزارة العمل وتشرف عليها إمارات المناطق نظرا للتوسع الجغرافي الكبير للمملكة، والذي يعتبر عاملا مهما يجب النظر له عند تطبيق قرارات التوطين وذلك لاختلاف معدلات نجاح توجهات التوطين من منطقة لمنطقة أخرى.
ذكرت سابقا أنه من المهم أن يكون هناك تفرقة في التعامل مع تقسيمات الوظائف، وأن لا نضغط على تقسيم ونتجاهل التقسيمات الأخرى، والحلول لا يمكن أن تنصب في تقسيم واحد دون العمل على التقسيمات الأخرى، ومن اطلاعي على سوق العمل السعودي في السنوات السابقة فيتضح لي أنه من المهم أن يكون هناك تفرقة بين الوظائف «التكميلية، التطويرية، المؤقتة، وظائف زيادة الدخل، الوظائف عن بعد»، وإذا لم نفرق بينهم فسيكون هناك خلل في سوق العمل ولن ننجح في التعامل مع قضية البطالة بتخفيضها للمستويات المستهدفة، وسيصعب من التعامل مع المستجدين لسوق العمل، وحتى ننجح فعليا في ذلك من المهم أن يكون «التقسيم الرئيسي» يعتمد على المناطق في المملكة، وذلك يعود لعدة اعتبارات منها موارد المنطقة وطبيعة منشآت القطاع الخاص فيها بالإضافة لاختلاف الثقافات وإحصائيات المتعطلين في كل منطقة.
عندما أطالب بالتفرقة بين نوعية وتقسيم الوظائف أجد أغلب الردود تنصب في أن العمل الشريف ليس بعيب، وأنا أتفق مع أن كل عمل شريف لا عيب فيه، ولكن أختلف مع نوعية الوظائف لأن نظرتي عند التعامل مع المتعطلين هي نظرة التعامل مع ثروة بشرية وليست مجرد متعطلين، وأنا لا أطالب بأن يكون جميع المتعطلين مدراء ورؤساء أقسام، ولكن أتمنى أن يتم التركيز على الوظائف التطويرية قبل غيرها، فمن خلال ذلك سننجح في توفير وظائف لائقة بشكل أكبر في المناطق.
وزارة العمل قامت بجهد كبير من خلال تشخيص الوظائف في سوق العمل السعودي خلال الفترة السابقة، وكانت النتائج مذهلة فيما يخص سيطرة جنسيات معينة على وظائف محددة، وهذا ما يسمى بالانكشاف المهني «الوظيفي» والذي من خلاله قامت وزارة العمل بتشخيص الواقع فيما يخص القوى العاملة المحلية الحالية لشغل تلك المهن، بالإضافة لأعداد الكوادر البشرية المحلية التي من الممكن أن تشغل تلك الوظائف على المدى القصير، وأنا على يقين بأن الوزارة لديها إحصائيات أكثر تفصيلا فيما يخص التوزيع المناطقي لهذه الدراسة، ومن هنا نجد أننا نحتاج لتحركات سريعة مناطقيا فيما يخص توجهات التوطين وربطها بمؤشرات أداء وذلك من خلال التعاون مع لجان السعودة في إمارات المناطق والتي من المهم أن يكون عدد من أعضائها يتم ترشيحهم من قبل الوزارة مباشرة كمختصين في سوق العمل وليس من الغرف التجارية مباشرة.
التعديلات في نسب السعودة على بعض أنشطة القطاع الخاص في برنامج نطاقات والذي تنظر له الوزارة كأحد الإجراءات لتحسين أداء سوق العمل لا يعتبر كافيا ومؤثرا إذا لم يتم ربطه بالمناطق، فهناك اختلاف كبير في طبيعة المناطق، فعلى سبيل المثال منطقة كالمنطقة الشرقية نجد فيها مدنا صناعية وتواجدا لمصانع وشركات بأنشطة تختلف عن غيرها في المناطق الأخرى، ولذلك أرى أن هناك فرصا كثيرة لتوطين العديد من المهن في المنطقة الشرقية أكثر من غيرها في المناطق الأخرى، وبنفس المنطق نجد أن في بعض المناطق التي لا تتواجد فيها مدن صناعية أن نجاح توطين الأنشطة سيكون مجديا أكثر من توطين المهن فيها مما سيساهم في توفير فرص عمل بشكل أكبر.
ختاما: تشكيل فريق عمل مناطقي بالتنسيق مع إمارات المناطق يعتبر ضرورة في عام 2018، ومديرو فروع وزارة العمل في مختلف المناطق بالمملكة نتمنى أن يكون تواصلهم مع القطاع الخاص مغايرا عن السنوات السابقة وذلك بتكثيف زياراتهم للمنشآت والجامعات والكليات ورفع التوصيات للوزارة فيما يخص ذلك.
نقلا عن اليوم