يعتقد البعض للأسف أن تجربة المملكة في مجال الإسكان الخيري هي تجربة حديثة، ويربطونها دائماً ببداية ظهور المؤسسات والجمعيات الخيرية لإسكان الأسر المحتاجة، بينما في الواقع أن للمملكة إرثاً تاريخياً في هذا الجانب يعود لقرون من السنوات، لعل من أبرز أمثلة ذلك ما يطلق عليه محلياً (الصبرة) أو (الحكر) واعني تحديداً الوقفي منها، الذي كان ينشأ غالباً من عدم رغبة ملاك الأراضي في بيعها، وإنما إبقاؤها كأصل، وتأجيرها بقيمة معينة، تكون منخفضة في العادة ولمدد طويلة، ربما امتـدت لعقــــود من الأعوام وجعل ريعها في مقابل إمكانية أن يقيم المستأجر أو المستأجرين مساكنهم عليها طوال تلك المدة، وقفاً يعود للمصالح العامة مثل المساجد والقائمين عليها، أو لما تنص عليه وصية المؤجر، وهي بذلك تمثل دليلاً تاريخياً على عمق العمل الخيري لدينا بوجه عام، وفي مجال الإسكان على نحو خاص.
أما ما يصنف على أنه تجربتنا الحديثة في مجال توفير الإسكان الخيري، فمن دون أدنى شك أن المشروعات التي شيدتها ولا تزال المؤسسات والجمعيات الخيرية، التي تأتي في مقدمتها مؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه للإسكان التنموي، ومؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية، ومؤسسة الملك فيصل الخيرية وجمعية الملك سلمان للإسكان الخيري، هي في الواقع من تمثل المرحلة الحالية، حيث يربو عدد مشروعاتها على تسعة عشر مشروعاً إسكانياً خيرياً، معظمها يعتبر من مشروعات الإسكان الخيرية التنموية المتكاملة.
ما تحتاج إليه هذه المشروعات، التي تقف وراءها جهود خيرية مخلصة، هو وجود جهاز متخصص قد يرقى ليكون هيئة للإسكان الخيري، تعمل أولاً على تطوير إرثنا التاريخي في مجال الإسكان الخيري، وثانياً على وضع إطار لتنسيق الجهود بين المؤسسات والجمعيات الخيرية وفاعلي الخير في هذا المجال، من أجل تجنب الازدواجية في البرامج التي تتبناها، إضافة إلى تطوير معايير موحدة لاختيار الفئات المستهدفة بتلك البرامج وكذلك توزيع المساكن على أولئك المستهدفين، والرفع من كفاءة إدارة تلك المشروعات، خلاف دعم برامج الإسكان في تلك المؤسسات والجمعيات الخيرية لكي تتوسع في تلك البرامج رأسياً وأفقياً، حيث من المؤكد إن سقف الطموحات في تلك المؤسسات والجمعيات يتجاوز الألفي وحدة سكنية التي وفرتها حتى الآن في مشروعاتها الخيرية، كما أنه يتعدى نطاق الاثنتي عشرة مدينة التي شملتها حتى الآن برامجها الخيرية.
نقلا عن الرياض