عندما حصلت كارثة السيول في جدة عام 2009، صدرت توجيهات بإسناد عملية معالجة ما حصل لعدم تكرار الكارثة إلى «شركة أرامكو»، بعدما تردد إعلامياً عن نجاحها في تنفيذ مشاريع حضارية تابعة لجهات حكومية أخرى، مثل جامعة الملك عبدالله في ثول والاستاد الرياضي الجديد المسمى الجوهرة بجدة، وغيرها من المشاريع الحضارية التي نُفِذّت في عدد من مدن البلاد خلال السنوات الماضيات. وبناء على ذلك التوجيه قامت وزارة المالية بالتنسيق مع شركة أرامكو، ممثلة في الإدارة العامة لمشاريع الأمطار التابعة لها، لصرف ما اعتمد وارتبط به من مبالغ مالية لصالح مشروع حماية جدة من أخطار السيول والأمطار، ولكن الذي حصل على أرض الواقع، حسب ما يبدو، هو أن تنفيذ المشاريع قد اختصر على حماية جدة من السيول القادمة من خارجها، كما أسلفت في مقال سابق، ولم توجه اهتمامها نحو ما تحتاجه من شبكة لتصريف مياه السيول والأمطار، ربما لأن أرامكو اعتبرت أن الشبكة من مسؤولية أمانة المحافظة، وهي بالفعل كذلك بحكم توزيع المسؤوليات الإدارية والفنية على الأمانات والبلديات، ولكن كيف يتسنى للأمانة أن تقوم بواجبها نحو تنفيذ شبكة تصريف مياه السيول والأمطار على كامل مساحة جدة، أو حتى بشكل متدرج على مخططاتها وأحيائها التي لم يُغطَ حتى تاريخه سوى جزء بسيط من مساحتها الإجمالية، وكانت تلك التغطية قبل عدة عقود من تاريخه، كيف يتسنى للأمانة القيام بذلك إذا كانت الميزانية الخاصة بمشاريع شبكة الأمطار والسيول قد قطعت عنها منذ عام 2010، أي عقب تسليم الأمر لشركة أرامكو، وكيف تصبح الأمانة مسؤولة بعد ذلك عن أي آثار جديدة تنتج عن هطول الأمطار وتجمعها في الأنفاق وفي الشوارع والطرقات لتدمر الممتلكات وترسم صورة بائسة لمحافظة جدة؟ وهل كان من الحكمة وبعد النظر تكليف «أرامكو» بمشاريع ليست من اختصاصها ولا تقع ضمن مسؤولياتها، بزعم أن الجهات المختصة المسؤولة عن تلك المشاريع ليست على المستوى الذي يمكنها من تخطيط أو تنفيذ مشاريعها، وعندما تظهر المشاكل والعيوب تضيع المسؤولية بين عدد من الجهات، فإن ضاعت المسؤولية انعدمت المحاسبة وانتشر الفساد وصعبت محاربته بقوة.
ولعل حكاية إسناد بعض المشاريع العامة الكبرى «لأرامكو» بعد أن نفخوا رأسها وزعموا أنها تستطيع أن تأتي بما لم تستطعه الأوائل تُشبه حكاية «العم جابر»، وهو قروي بسيط نزل مدينة من المدن ومعه أغنام يريد بيعها، فرآه عدد من الطفارى الأشقياء الذين كانوا يمنون أنفسهم بغداء مجاني، فلما باع غنمه واستلم قيمتها أحاط به الشباب وراحوا يرحبون به ويكبرون رأسه، مدعين أنه صديق لوالد أحدهم، وأنه أوصاهم عليه أن يحتفوا به إذا قابلوه في السوق، وأصروا أن يكون ضيفهم على الغداء، وأخذوه إلى مطعم قريب وطلبوا ما لذ وطاب من الطعام، ثم انْسَلّ الواحد منهم تلو الآخر بحجة غسيل أيديهم، ولما طال انتظاره لهم جاءه المحاسب طالباً منه دفع ثمن الطعام، فعلم عم جابر أنه كان ضحية للشباب الذين كبروا رأسه فدفع الحساب وهو يحوقل!
نقلا عن عكاظ