عندما تم تكوين الغرف التجارية كان الهدف واضحاً وهو سد حاجات المجتمع التجاري وقتئذ. ويروى عن جدي سعيد محمد بن زقر وهو من المؤسسين لأول غرفة وصار رئيسها، ويُروى عنه أن حاجات المجتمع كانت من التناغم بحيث لا يلجأ الناس للمحاكم لفض النزاعات التجارية والاجتماعية. ولهذا قامت الغرف بتسويتها بما يرضي الله. ثم صارت صوتاً وظهراً لقطاع الأعمال. ومع النمو المتسارع للاقتصاد والتطورات الاجتماعية زاد الاهتمام بقطاع الأعمال فأضحت الغرف منصة لاستقبال الوفود وعقد الورش والندوات. وفي ظل عدم وجود هيكل تنظيمي للقطاع الثالث غير الربحي (تعاوني/أهلي)، حُملت الغرف بأعباء إضافية وبملفات متشابكة ما بين الاجتماعي والتعاوني.
في حاضرنا تطور الجهاز القضائي وبلور أنظمة للتحكيم حققت متطلبات الأعمال ،كما أن القطاع العام واكب ما استجد وطور وسائله وأنظمته لخدمة الجمهور.وتبعاً لذلك طور القطاع الثالث غير الربحي جمعيات وأوقافاً ومؤسسات تسعى لتحقيق أغراض شتى كالبحث العلمي. ولهذا يحدونا الأمل لرؤية هذا القطاع في مكان يليق به كما بشرت رؤية 2030. ما يعني أن على الغرف التجارية مسئولية تطوير أدوار جديدة تواكب التوجهات ليسهم القطاع غير الربحي في تحقيق الغايات الوطنية. والمدخل لذلك فطم الغرف من تحصيل اشتراكات إجبارية من منتسبيها. لأن فطمها من الدعم المباشر يجعلها تشب عن الطوق وأنها لم تعد ذلك الطفل. وسيكون للخطوة ما بعدها لأن «فطم» الغرف سيقلص من تشابك الملفات ويدفع الغرف للتفرغ للتجارة والصناعة وترك مساحة ليملأها القطاع الثالث. وإن استلزم قيام أكثر من «غرفة» بالمدينة الواحدة وفق الأنظمة فإن هذا قائم في سائر دول العالم الأول.
هذا التكامل في الأدوار يعود بالغرف لمرحلة التأسيس مع استصحاب الإيجابي والتخلي عن التواكل. كما سيربط الصناع والتجار والقطاع الثالث بأولويات الغرف ومخاطبة هموم المجتمع والمنتسبين وهو دور مأمول ومُتطلع إليه للدفع بمكانة الغرف التجارية لتندرج في تجارب غرف مجموعة العشرين كحارسة للنمو ومشجعة للابتكار وتحقيق هدف كسبي win-win.
وغرفة جدة لها تجارب ثرة وبها حوالي ألف متطوع ومئات العاملين وإيرادات بمئات آلاف الريالات، وهي لا تضاهيها أي غرفة بالمنطقة. والحال كذلك فإن مسئولياتها تتضاعف لقيادة هذه الأدوار الجديدة المتناغمة بين الغرفة ومجتمعها والاقتصاد المحلي.
قال المتنبي:
ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً كنقص القادرين على التمام.