استعرضت في مقال سابق (المرض الآسيوي وانعكاس التفضيل) موضوع التأطير (Framing) وكيف يؤدي إلى ما يعرف بانعكاس التفضيل لدى الفرد (والمستثمر)، من نافر من الخطر إلى باحث عن الخطر.
وأثر التأطير (Framing Effect) أحد أركان نظرية الأفق (Prospect Theory) لكل من كانمان وتفيرسكي، وهو من التحيزات المعرفية الكثيرة للعقل البشري، وخلاصته أن طريقة عرض الخيارات أمام الشخص تؤثر على نوع القرار الذي سيتخذه، وسنشرح ذلك ببعض الأمثلة.
لعل أبرز مثال استخدمه كانمان وتفيرسكي هو (مشكلة المرض الآسيوي) وقد سبق عرضه في مقال سابق (فيرجع له). في ذلك المثال أدى عرض خيارين متماثلين أمام الأفراد لكن تم إظهار الخيار الأول في إطار إيجابي (إنقاذ أرواح المرضى) وتم إظهار الخيار الثاني أو تأطيره بشكل سلبي (موت أنفس)، فكان ميل الناس هو تفضيل الخيار الأول.
لنستخدم الآن مثالا آخر، ونحاول أن نطبقه على أنفسنا، ويمكنك أيضا استخدامه مع من تعرف للتأكد من مدى مصداقية (أثر التأطير)
لو تم تخييرك بين الخيارين التاليين:
(1)لديك حظ بنسبة 90% للحصول على 100 ألف ريال، وحظ 10% لعدم الحصول على شيء.
(2)حظ 100% للفوز بـ: 70 ألف ريال.
أتوقع أنك ستفضل البديل الثاني، وستقول: أضمن 70 ألف ريال ولا حاجة بي للمغامرة.
طيب، ماذا لو خيرناك الآن بين الخيارين التاليين:
(1)حظ 90% لخسارة 100 ألف ريال و10% لعدم خسارة شيء
(2)حظ 100% لخسارة 70 ألف ريال
نظريا سنتوقع منك أنك ستفضل الخيار الثاني المؤكد، كما فضلت سابقا الخيار الثاني المؤكد.
غالبا أنك تفضل الخيار الأول، بدلا من الخسارة المؤكدة.
لاحظ أنك قد وقعت في أثر التأطير، فطريقة عرض الخيارات أثرت على قرارك، إذ في المثال الأول فإن أفضل خيار هو الأول، وأنت اخترت الثاني، وفي المثال الثاني فإن الخيار الثاني أفضل، وأنت اخترت الأول، وأدى عرض الخيارات بطريقة ربح وخسارة إلى التأثير على طريقة اتخاذك للقرار.
لاحظ أيضا أنك تميل إلى تجنب الخطر عندما تعلق الأمر بالربح (كما في المثال الأول) وتميل إلى المخاطرة والمغامرة عندما تعلق الأمر بالخسارة (المثال الثاني).
إذن يشرح ويوضح أثر التأطير طريقة تفاعل الناس مع خيار معين استنادا إلى أسلوب أو كيفية عرض الخيار، وهل يظهر لهم في شكل مكسب (مثلا إنقاذ حياة إنسان، تحقيق ربح في استثمار...) أو في شكل خسارة (موت بشر، خسارة أموال...)، ويميل الناس بطبيعتهم إلى تجنب المخاطر عندما يتم عرض إطار إيجابي ولكن يسعون إلى المخاطر عند عرض إطار سلبي.
إضافة إلى أثر التأطير، هناك في الحقيقة أيضا ظاهرتان أثرتا عليك في اتخاذ القرار، سنتناولهما ان شاء الله في مقال لاحق، هما: أثر التأكد (Certainty Effect)، أثر الإمكانية (Possibility Effect)، وسنرى بالأمثلة التوضيحية كيف يؤثران على قراراتنا اليومية وبشكل خاص في مجال القرار الاستثماري.
خاص_الفابيتا