المرض الآسيوي وانعكاس التفضيل

07/11/2017 1
د. عبد الكريم قندوز

كيف يخدعنا عقلنا عند اتخاذ القرارات ؟؟

مشكلة المرض الآسيوي هو مثال استخدمه كل من دانيال كانمان (Daniel Kahneman) وعاموس تفيرسكي (Amos Tversky) (حصلا على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 2002) لوصف واحدة من الانحيازات الكثيرة التي يعانيها عموم البشر والتي أطلقا عليها اسم: انعكاس التفضيل (Preference Reversal) أو أثر الانعكاس (Reflection Effect) وهو أحد أهم المفاهيم المرتبطة بنظرية الأفق (الاحتمال) (Prospect Theory)، حيث يدحض الفرضية التي تقوم عليها نظرية المنفعة المتوقعة حول كون سلوك الفرد (أو المستثمر) تجاه الخطر يكون ثابتا ومستقرا.

ما هو انعكاس التفضيل؟

من أهم الافتراضات التي تقوم عليها نظرية المنفعة المتوقعة أن تفضيلات الأفراد تحت ظروف الخطر مستقرة (ثابتة نسبيا)، لكن الحقيقة تبين أن ذلك ليس مسلما به دائما. ومن ذلك ظاهرة انعكاس التفضيل، والتي تتجلى في الاختيار بين هانين لهما نفس القيمة المتوقعة.

ويوضح أثر الانعكاس أن لدينا تفضيلات مخاطر متعاكسة للخيارات غير المؤكدة، اعتمادا على ما إذا كانت النتائج مكسبا محتملا أو خسارة محتملة. يظهر أثر الانعكاس أن كلا من تحيزات النفور من الخطر وكره الغموض صحيحة، لكن فقط في الحالات التي يمكننا فيها ربح شيء ما (تحقيق مكسب ما). وعلى النقيض من ذلك، عندما نكون بصدد خسارة شيء ما، فإننا نفضل بشدة تحمل المخاطر التي قد تخفف الخسارة (أي أننا نظهر سلوك محب الخطر). يسمى هذا السلوك النافر من الخطر مقابل السلوك المحب للخطر: أثر الانعكاس.

الذي يحدث في انعكاس التفضيل هو انتقال أو تغير في سلوك الفرد تجاه الخطر من متجنب للخطر (نافر من الخطر) إلى باحث عن الخطر (Risk Seeking).

مشكلة المرض الآسيوي وانعكاس التفضيل:

من الأمثلة الشهيرة التي توضح ظاهرة انعكاس التفضيل، هي مشكلة المرض الآسيوي (Asian Disease Problem). في هذا المثال، أصيب 600 شخص بمرض قاتل. عرض على المرضى بديلان: 

• في الأول منهما على الأفراد الاختيار بين نتيجة مؤكدة هي إنقاذ 200 شخص أو المراهنة على إنقاذ 600 شخص باحتمال ثلث (33%) (وبالتالي احتمال ثلثين لعدم إنقاذ أي واحد من 600).

• في البديل الثاني، على الأفراد الاختيار بين الوفاة المؤكدة لـ 400 شخص أو المراهنة على عدم وفاة 600 شخص باحتمال ثلث (33%) (وبالتالي احتمال ثلثين (67%) لوفاة كل الأشخاص 600).

لاحظ أن البديلين تم عرضهما بطريقة إيجابية في الحالة الأولى (إنقاذ حياة أفراد) وبطريقة سلبية في الحالة الثانية (وفاة أفراد).

وجد كانمان وتفيرسكي أن الأفراد الذين عُرض عليهم هذان البديلان يميلون لاختيار النتيجة المؤكدة لإنقاذ 200 شخص في البديل الأول، ويميلون لاختيار المراهنة في البديل الثاني.

البديلان المعروضان هما بالضبط نفس المراهنة باختلاف واحد فقط هو أن أحد البديلين تم تأطيره (Framed) على أنه ربح مؤكد، بينما تم تأطير الآخر كخسارة مؤكدة، بمعنى آخر تأطير النتائج بطريقة إيجابية مقابل سلبية نتج عنه انعكاس في التفضيل لدى الأفراد في البديلين المطروحين.

الاستثمار وانعكاس التفضيل:

قد يقول القائل أن المثال السابق هو نوع من الخداع الإحصائي أو أن الأمر يتعلق بحياة البشر، فيميل الانسان بفطرته إلى إنقاذ الأرواح بطريقة مؤكدة، غير أن هناك بعض التصرفات التي نقوم بها حتى من دون وعي تثبت وجود انعكاس التفضيل في تصرفاتنا

من ذلك تصرفنا عند الاستثمار في أسواق المال، فالعادة أن يدخل أحدنا السوق خائفا من الخسارة، ومتأملا تحقيق مكاسب، ثم بمجرد ما تحدث خسارة نجد أنفسنا نجازف بحثا عن فرصة أفضل لتقليل الخسارة السابقة، لينعكس بذلك تفضيلنا من نافرين من الخطر إلى باحثين عن الخطر.

 

خاص_الفابيتا