عقد القرض هو عقد يتم فيه دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله، وهو من عقود التبرع والإحسان، حيث يتبرع المقرض بماله للمقترض الآن، على أن يسترد قيمته مستقبلا بعد مدة محددة في العقد.
عندما يقترض فرد من فرد آخر أو من مؤسسة (بنك مثلا)، فإن ما فعله في حقيقة الأمر هو أنه اقترض من نفسه، وبشكل دقيق اقترض من مستقبله، وبشكل أدق اقترض من دخله المستقبلي، فالشخص الذي اقترض مثلا 200 ألف ريال، على أن يردها على شكل أقساط شهرية لفترة معينة، بقيمة 4000 ريال للقسط، في حقيقة الأمر يكون قد حصل على قرض من دخله المستقبلي (لنفترض أن دخله الشهري هو 12 ألف ريال)، بحيث سيتنازل كل شهر من راتبه عن 4000 ريال. وبالتالي فيكون دور المقرض هنا في الحقيقة هو مساعدة المقترض في تحويل الأصول أو تحويل الزمن أو تحويل الدخل عبر الزمن، من خلال تحويل مجموعة تدفقات نقدية مستقبلية إلى دخل واحد حالي. وهذا مفيد في حالات، ومضر في أخرى. مفيد لمن كانت له حاجة طارئة كعلاج أو دراسة أو زواج أو أي التزام آخر حال، خاصة إذا عجز عن الحصول على مصدر آخر غير الاقتراض، ومضر إذا عجز عن السداد.
والعقد تبرعي لأسباب منها أن المقرض يقرض ماله دون وجود ما يلزمه بذلك، فالقرض ليس زكاة واجبة، ولا معاملة ملزمة في إنشائها. وغالبا ما يقع الضرر على المقرض من نواحي، منها:
-التضحية بسيولة حالية كان بإمكانه استغلالها في الانفاق على نفسه والتوسع في المأكل والملبس وغيرها من متطلبات الحياة.
-التضحية بفرصة بديلة، إذ من الممكن للمقرض بدلا من إقراض ماله (بدون عائد مادي) الدخول في عقد استثماري (مثلا مضاربة أو مشاركة أو صندوق استثماري)، وهو ما يعني أن ماله بعد فترة سيكون أكثر من المال الذي سيسترده.
-تعريض المال للخطر، فالمقرض يعطي ماله وهو يدرك أنه مهما كانت طبيعة المقترض وملاءته المالية حاليا، فإن خطر عدم السداد قائم ومرتبط بالعقد بكل تأكيد، فقد تتغير ظروف المقترض فترة العقد، وتطرأ عليه طوارئ تمنعه عن السداد، وبالتالي فإن إمكانية عدم استرداد ماله واردة دائما.
-تناقص قيمة النقد: إذ من المتعارف عليه أن النقد تتناقص قيمته بسبب ظروف التضخم، وأن ما يسترده المقرض مستقبلا غالبا أقل قيمة (حقيقية) مما أقرضه حالا.
-الإنسان أناني بطبيعته، ولديه تفضيل للحاضر على حساب المستقبل، فلو خيرنا أي إنسان عاقل بين أن يحصل على 1000 ريال الآن أو الحصول على 1000 ريال بعد سنة، فسيختار بكل تأكيد الألف الحاضرة. هذا يعني أن تقديم ماله الآن مع استرداد نفس قيمته بعد فترة يعتبر عكسا للطبيعة البشرية (الأنانية)، وهذا يؤكد مرة أخرى الطبيعة التبرعية الإحسانية لعقد القرض، فالإنسان هنا قد تخلى عن أنانيته.
وللأسباب السابقة، فإن القرض يصل جزاؤه وأجره إلى الصدقة وأفضل، رغم أنه في الصدقة لا يعود للمتصدق شيء، بينما في القرض فإن الجزاء يكون مع استرداد قيمة القرض.
فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن أنظرَ مُعسِرًا فله كلَّ يومٍ مثلِه صَدقة. فقُلتُ: يا رسول الله، سمعتُكَ تقول: مَن أنظرَ مُعسرًا فله كلَّ يومٍ مِثلَيْهِ صدقةٌ. قال: كل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حلَّ فأنظَرَ فله كلَّ يومٍ مِثلَيْه صدَقةٌ) [المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الترغيب (907)، حكم المحدث: صحيح]
فتأمل قوله (صلى الله عليه وسلم): (كل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين) لتعرف عظم أجر القرض وفضله عن الصدقة.
وللقرض الحسن أهمية كبيرة في المجتمع، فانتشاره بين أفراد المجتمع دليل على إنسانية أفراده وحبهم للإحسان، كما أنه طمأنينة لكل فرد منهم أنه متى احتاج سيجد من يقرضه دون أن يتطرق إلى ذلك المنة المرتبطة عادة بالصدقة.