كنت في لقاء خاطف وسريع مع أحد أهم التنفيذيين الحكوميين الماليين في العالم العربي، وسألني عن رأيي في بعض الأحداث الحاصلة في العالم العربي، وتبادلنا أطراف الحديث بصورة تقليدية روتينية، وأردت تغيير الموضوع معه وسألته بصريح العبارة: ما رأيك في ظاهرة العملة الرقمية التي تجتاح العالم هذه الأيام؟ قال لي: أنا الآن لا أعتقد ولا أؤمن بها، وأظن أنها مجرد «صرعة» وستمر كما مرت غيرها من قبل. قلت له: أنت استثماري تقليدي ومن خلفية مصرفية قديمة وبالتالي من المتوقع أن تقول ذلك.
نظر إلي بدهشة وقال لي: فضلاً، وضح مقصدك. قلت له: إن رئيس شركة مرسيدس للسيارات يعتبر اليوم أهم منافس له هو شركة غوغل وشركة آبل والسيارات الذاتية القيادة، وكذلك يعتبر شركة تسلا للسيارات الكهربائية من ضمن المنافسين، وبالتالي هو لا يعتبر شركة جنرال موتورز ولا شركة تويوتا ولا بي إم دبليو من ضمن المنافسين. وكذلك يعتبر متجر «وول مارت» منافسه الأول هو شركة «أمازون» وليس شركة «تارغت» ولا «كي مارت»، وشركة فولكسفاغن تعتبر منافسها الرئيسي هو شركة «أوبر» وليس شركات السيارات الأخرى. وبالتالي الشركات التي ترى في منافسها غير التقليدي التهديد الآتي والقادم هي الشركات التي ستتفادى الصدمة وتستطيع التعامل مع تغير نموذج الأعمال بشكل استباقي وليس فقط كرد فعل لحظي وآني. وعليه فإن البنوك إذا استمرت في إنكار أهمية العملة الرقمية، وهي العملة المتصاعدة في أهميتها بشكل تراكمي، سيفوتها القطار تماما.
هناك مراكز نفوذ قوة متصاعدة للعملة الرقمية في سويسرا والتشيك وصربيا وروسيا البيضاء وروسيا والصين وأميركا وكوريا واليابان، والمزيد من الدول تنضم إلى هذه المجاميع تباعاً. وكان لافتاً جداً إعلان كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة عن استعدادهما لإصدار عملات رقمية قريباً.
العملات الرقمية هي بداية الثورة في عالم الأعمال وستضع نهاية للورق النقدي. وتعتقد الحكومات أن الورق النقدي كان إحدى أهم نقاط الضعف في المنظومة المالية الحالية، فهي ثغرة واضحة للفساد الإداري والرشاوى وتسهيل العمليات القذرة وغسل الأموال، وبالتالي سيكون هناك منظومة أكثر شفافية وأكثر فاعلية وأكثر كفاءة تعتمد على أسلوب غير مسبوق في الرقابة والتحكم، وهي ستخلق فرصاً استثمارية هائلة وعظيمة.
الذي يخيفني هو الوقت الذي سيضيع علينا ونحن في حالة «إنكار» تام لأهمية هذه الفرصة العزيزة والتي ستقل قيمتها مع الوقت عندما يسبقنا إليها الغير مع تعنت وإنكار كبار المسؤولين الاستثماريين.
العملة الرقمية قادمة ولا شك، وهي بداية انتقال نوعي في منظومة التعامل الاقتصادي، حيث ستكون المنظومة التقنية صانعاً للمنظومة المالية حول العالم وليست عنصراً مسانداً فقط كما كانت عليه في الماضي.
نحن نرى كائناً مالياً جديداً يتكون وليس فقاعة كما يروج له، والنمو والإقبال المقنن فيه والصناعات الفرعية والمساندة لكل ذلك تؤكد أن المسألة مستدامة وليست آنية فقط.
نقلا عن الشرق الأوسط