الكل لا يزال يتذكر وبشكل واضح وضعية أسعار النفط المنخفضة جدا التي كانت عليها سلعة النفط، مما جعل القيادة السعودية تصرح بذلك الأمر، في كلمة ألقاها الملك بنفسه ليوضح تغير الظروف في سوق النفط، والآثار السلبية المنتظرة على عوائد النفط. ولكن السعودية لم تقف مكتوفة الأيدي، وقررت بشكل عملي وجاد مواجهة هذا التحدي الاستثنائي الصعب.
لم يكن الوضع «تقليديا»، ولم يكن القرار خاضعا لرغبات وإرادات الدول الأعضاء في منظمة «أوبك»، ولكن كانت مستجدات لافتة ومهمة، دخول روسيا كمنتج قوي ومؤثر في سوق النفط، وهي ليست دولة عضوا في «أوبك»، ولها طموح ومطامع أن توظف العوائد المالية من النفط لصالح مشاريعها المختلفة السياسية منها والاقتصادية والعسكرية طبعا.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تتوسع هي الأخرى في إنتاجها من النفط الصخري، حتى باتت لديها القدرة التصديرية وبشكل تدريجي.
وطبعا كانت هناك دول لها أجندتها السياسية المخالفة لتوجه السعودية تماما، ولكنها دول مؤثرة في سوق النفط وأعضاء في منظمة «أوبك» مثل إيران وفنزويلا.
بكل هذه الظروف والتي صاحبت ركودا اقتصاديا واضحا في العالم، أدى إلى هبوط واضح في نسبة النمو الاقتصادي للصين، وهو الذي كانت له آثار سلبية واضحة على دول مختلفة حول العالم لما للصين من ثقل ومكانة وقدرة مميزة على الساحة الاقتصادية.
بالرغم من كل هذه الظروف تمكنت السعودية من قيادة سوق النفط إلى مستويات من الاستقرار ومن ثم الصعود الإيجابي مع عدم التأثير على وفرة المعروض من السلعة في السوق، وذلك عبر اتفاق تاريخي بين «أوبك» مع روسيا، وكذلك بالاستثمار المباشر مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وأمريكا وماليزيا في عمق الأسواق المحلية بالدخول في شراكات كبرى في مصاف لطمأنة استمرارية التوريد للنفط لهم، وذلك بقيمة مضافة.
نجاح مبهر وكبير لسياسة النفط السعودية في الفترة الأخيرة، نجاح يحسب لتحدي الظروف وتغيير قواعد اللعبة عبر التفكير بأسلوب غير تقليدي وخارج الصندوق تماما.
السعودية وبخطوات جريئة ومدروسة تمكنت من إعادة أسواق النفط إلى صالحها لتعود إلى الواجهة مجددا كأهم دولة محورية في سوق النفط السلعة المؤثرة.
ثقافة الإدارة الموجودة في وزارة الطاقة والتحول الإيجابي الذي حصل في فترة قياسية ويحسب لها، مطلوب في أن ينقل إلى الوزارات الاقتصادية الأخرى، التي لا تزال بعيدة بمسافة كبيرة عن هذا الأداء، وهذا لا يمكن وصفه إلا بالقصور في الأداء والنشاز في التطبيق.
السياسة النفطية في السعودية علامة مضيئة وإنجاز لافت يستحق الإشادة.
نقلا عن عكاظ