من القصص الأشبه بالأسطورة التي تُروى عن عملاق صناعة الأحذية المنخفضة التكلفة رجل الأعمال باتا، أنه أرسل مندوبي مبيعات اثنين من شركته إلى إحدى أصغر الدول الأفريقية، لمعرفة إمكانية التوسع في تسويق منتجات الشركة، فعاد المندوبان اللذان أرسلهما للبلد نفسه كل منهما بمفرده. وقال المندوب الأول للسيد باتا «انسها تماماً، لا أمل منها. كلهم حفاة لن يقدروا أهمية الأحذية، ولا مجال لبيع أي من منتجاتنا».
أما المندوب الثاني الذي زار البلد نفسه وفي التوقيت نفسه، فقد قال الآتي: «كلهم هناك حفاة لا حدود لما يمكن عمله. حجم طموحاتنا يجب أن يبلغ عنان السماء». وبطبيعة الحال تبنى باتا رأي مندوب المبيعات الثاني، وتمكن من فتح أسواق جديدة بنجاح عظيم.
ذكرتني هذه القصة اللافتة والمهمة بآراء المستثمرين وبيوت الخبرة والدراسات والاستشارات فيما يخص اقتصادات العالم العربي ومستقبلها... هذه الآراء في هذا الشأن تبدو مثلما حدث من مندوبي باتا، ولكن بنسخة عصرية؛ فهناك رأي لا يركز إلا على الجوانب السلبية، ويصر على إبراز النواحي السوداوية وإفهام المتلقي أن المنطقة كتبت عليها اللعنة ولا مجال منها للنجاة وأن الهروب واجب مطلوب. وفي هذا الرأي بعيداً عن التوازن في طرح الفرص والمجالات الاستثمارية المتاحة والإمكانيات المتوفرة التي تجعل التفكير خارج الصندوق مسألة ممكنة عملا بالمقولة المشهورة «مع كل محنة تأتي المنحة». وهناك مدرسة أخرى في الرأي لا ترى إلا الجانب الوردي وترفض مجرد الحديث عن أي نقد أو شكوى أو اقتراح مخالف ومغاير، وهذه المدرسة لا تقل ضرراً عن الأولى، لأنها أيضاً بلا وسطية ولا موضوعية ولا مصداقية.
من كلتا المدرستين ولد مناخ قلق للاقتصاد في العالم العربي، مناخ جعل رأس المال في حالة ترقب مبالغ فيها، شكاكاً في كل شيء ولا يصدق أي شيء، وهو الذي يفسر تماماً شح رؤوس الأموال الأجنبية الآتية إلى المنطقة رغم وجود العديد من الفرص الاستثمارية المتوفرة والمعروضة نظرياً والتسهيلات الحكومية المقدمة من الهيئات والوزارات المعنية، ولكن كل ذلك بقي نظرياً، لأن المناخ مسمم والذهنية التي تسيطر على المشهد قتلت الفرصة تلو الأخرى.
العالم العربي ككتلة اقتصادية وجغرافية يحتل مكانة متدنية في قدرته على جذب الاستثمارات، ذلك بسبب الاضطرابات الجيوسياسية التي أفرزت خراباً وحروباً ودماراً، إضافة بالطبع إلى وجود مناخ مسموم تغذيه الآراء السلبية طوال الوقت، وهذه الآراء تصل إلى صناع القرار في حكومات الدول والشركات العالمية، وبالتالي يصبح الخبير العربي في الكثير من الأحيان عدو نفسه، ولسنا بالتالي بحاجة إلى أي نظرية مؤامرة لتبرير خيبات الأمل بخصوص إحياء فرص النهوض بالاستثمارات الأجنبية في المنطقة مثلما فعلت دول ومناطق كثيرة حول العالم.
الرأي المتوازن الموضوعي مطلوب تشجيعه، إضافة إلى تقديم الأرقام والبيانات من دون تجميل، فهذا بحد ذاته سيجبر الآخرين على احترامنا وتقديرنا، وهذا وحده يعتبر إنجازاً مهماً طال أوانه.
الكأس نصفها فارغ أم نصفها ملآن؟ سؤال أزلي، ولكن ماذا نقول عن الذي لا يرى الكأس أصلاً؟!
(ولكن كل ذلك بقي نظرياً، لأن المناخ مسمم والذهنية التي تسيطر على المشهد قتلت الفرصة تلو الأخرى.). نعم الذهنية البيروقراطية المتلحفة بقوة السلطة الرسمية المتنفذة والبعيدة عن المساءلة والمحاسبة والمحاكمة هى التى منعت كثير من شركات الإستثمار من القدوم للسوق السعودى. بل حتى فى الداخل كثير من المؤسسا والشركات الوطنية الصغيرة والمتوسطة أقدمت على تجميد نشاطها أو إلغائه بالكامل. ليت وزارة التجارة تعطينا نشرة دورية عن عدد السجلات التجارية الى قام أصحابها بإلغائها. الأمر يستحق البحث والدراسة والإستقصاء. لابد من إصلاح من الداخل حتى ننجح فى جذب المستثمرين سواء من الخارج أو الداخل !
أبرز أسباب عدم إقبال راس المال الأجنبي لمملكة هي عدم اليقين من ناحية القوانين وتقلبها بشدة (تغير سريع بالقوانين يؤثر بشكل كبير على أرباح الشركات) و جودة هذه القوانين إضافة للقوانين الخاصة بالتجارة بالبلد اظن لو تم اصلاح البنية القانونية للبلد س يشكل هذا الأمر فارقا كبير