كشفت أزمة السيولة العام 2016 عن خلل كبير في آلية احتساب سعر الفائدة بين البنوك "السايبر" ما انعكس سلبا على تسعير فائدة قروض الأفراد والشركات؛ غير أنها أثرت بشكل مباشر ومستدام على التمويل العقاري والمقترضين وفق آلية "الفائدة المتغيرة" والذين تزامنت مراجعة عقودهم مع أزمة السيولة والارتفاع الحاد للـ "سايبر". إسناد مهمة تحديد سعر "السايبر" للبنوك المستفيدة؛ أو أحد البنوك المتنفذة على وجه الدقة؛ لم يحقق الحد الأدنى من الاستقلالية والعدالة؛ فتقاطع المصالح يؤثر سلبا على عملية تقييم الفائدة؛ يدعم ذلك ضعف التنافسية والعدد المحدود للبنوك السعودية ما يحول دون تحقيق التقييم العادل والشفاف.
الارتفاع الحاد والمؤثر لسعر الفائدة بين البنوك دفع مؤسسة النقد العربي السعودي لمراجعتها وفق آلية منضبطة تحقق العدالة والشفافية في آن؛ وتضمن الفصل بين البنوك المستفيدة وقدرتها الفائقة على تشكيل السعر وفق مصالحها الخاصة؛ وبمعزل عن مصالح الأطراف الأخرى. تعيين تومسون رويترز مديرا لاحتساب سعر الفائدة بين البنوك سيسهم دون شك في تحقيق العدالة والشفافية؛ وسيدعم العمل المؤسسي القائم على الحوكمة الضامنة لمصالح الجميع. الإستفادة من تجارب الدول المتقدمة في معالجة مشكلات الفائدة بين البنوك؛ وتداعياتها الخطرة؛ على الإقتصاد؛ والنزاهة؛ أمر غاية في الأهمية؛ وأحسب أن "ساما" باتت مصرة على معالجة أخطاء الماضي التي تركت دون مراجعة حتى تحولت مع مرور الوقت إلى قانون يضمن مصالح بعض المصارف بمعزل عن مصالح البنوك الصغيرة والمقترضين.
إعادة هيكلة فائدة الإقراض بين البنوك أمر غاية في الأهمية؛ إلا أن معالجة أوضاع المقترضين المتضررين من إرتفاع السايبر العام الماضي؛ أكثر أهمية وإلحاحا. فالبنوك السعودية ركزت خلال السنوات الماضية على عقود الإجارة متغيرة الفائدة؛ وحفزت عملائها على الإستفادة منها لتجاوز معايير التمويل التي لم تنطبق على بعض الراغبين في التمول الإسلامي؛ ومعايير العقود الشرعية؛ دون أن تجتهد في تبيان مخاطر تغير الفائدة وحتمية حدوثها.أجزم أن جميع المقترضين الموقعين على عقود الإجارة لم يكونوا على إطلاع بمخاطر تغير الفائدة؛ وإن تضمنت تلك العقود إشارة لتغير "هامش الربح" عطفا على تغير "السايبر" الذي يجهله كثير من موظفي البنوك قبل المقترضين. فغالبية مسوقي التمويل العقاري في البنوك السعودية لا يمتلكون المعلومة الكافية عن آلية احتساب هامش الربح؛ والعوامل المؤثرة فيه؛ ما يجعلهم عاجزين عن تقديم المعلومة الدقيقة للمقترضين عوضا عن النصح والإرشاد؛ وهذا ما يعزز شبهة الجهالة لدى المقترضين؛ والغرر لدى مسوقي البنوك.
أوقعت البنوك مقترضيها في مصيدة "الفائدة المتغيرة" دون إكتراث بالمخاطر المالية والمجتمعية والقانونية المترتبة على ذلك؛ ودون تبصر بمتغيرات السيولة و الفائدة العالمية وحتمية ارتفاعها إلى مستويات أعلى مستقبلا؛ معتمدة على العقود الضامنة لحقوقها المالية والقانونية. تدهور أوضاع المقترضين بسبب الفائدة المتغيرة؛ وزيادة التكاليف عليهم؛ وإمكانية تعثرهم مستقبلا يستوجب تدخل مؤسسة النقد العربي السعودي وإستكمال مشروع إعادة هيكلة الفائدة بين البنوك التي لن تكتمل إلا بمعالجة تداعياتها على المقترضين وفق نظام "الفائدة المتغيرة".
يكمن الحل في إعادة الفائدة إلى سابق عهدها وتثبيتها حتى نهاية العقد؛ واستغلال الزيادة الناتجة عن رفع سعر الفائدة في الأقساط السابقة كدفعة لإطفاء أصل الدين لا تكلفته.
وتحويل عقود الإجارة الحالية إلى عقود مرابحة؛ أو الاستمرار بعقود الإجارة مع تثبيت الفائدة. أرجو ألا تتحجج البنوك بالجوانب الشرعية في التحول بين العقود؛ التي يمكن للجانهم الشرعية معالجتها بسهولة وإيجاد التخريج المناسب لها.
نقلا عن الجزيرة