تمر المنظومة الكهربائية في المملكة حالياً بمرحلة مفصلية من تاريخها الممتد لأربعين عام، أي منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما استحوذت الدولة على القطاع الكهربائي بالكامل بعد فشل إدارة القطاع الخاص في توفير خدمة كهربائية موثوقه للمواطن ومواكبة النمو السريع للمملكة ، وعلى الرغم من أن إدارة القطاع العام للمنظومة الكهربائيه نجحت بتوفير خدمة كهربائية موثوقة وتواجديه عالية وصلت إلى كل بيت في خريطة الوطن الشاسعة إلا أنها لم تحقق الربح المالي الذي كانت تحققه شركات القطاع الخاص من قبل ، والتي وثقها وزير الكهرباء السابق د.غازي القصيبي رحمه الله بكتابه حياة بالإداره بأنها كانت أرباح كبيره ومكانة اجتماعية عاليه لأصحاب تلك الشركات.
بل أن إدارة القطاع العام تجاوزت عدم تحقيق الأرباح إلى استنزاف كبير لميزانية الدولة يزداد عام بعد عام ( وصل إلى ٣٠٠ مليار سنوياً وفق رؤية المملكه بالاضافه إلى المياه) .
جرت عدة محاولات لإعادة هيكله المنظومة الكهربائيه وضخ استثمارات عالية لرفع كفاءة التشغيل والصيانه واستبدال الوقود الخام ذو القيمة السوقيه العالية إلى وقود الغاز الرخيص والغير مدعوم لكن لا أثار تظهر على جسد هذا القطاع المترهل .
واليوم مع رؤية المملكة ٢٠٣٠ فإن التصحيح الاقتصادي للمنظومة الكهربائية يأتي ضمن أهداف الرؤيه والتي وضعت معايير محددة نستطيع من خلالها تقييم وقراءة مدى نجاح المنظومة بتحقيق أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠ من خلال النتائج التي تحققت والقرارات التي اتخذت وايضاً مقارنة ذلك بالتجارب العالمية بهذا المجال والتي توضح عدم نجاح المنظومة الكهربائية لمواكبة أهداف الرؤيه للأسباب التالية:
١- ضمان أرباح المستثمر ١٠٠٪ خسارة للوطن.
الطريقة التي تم خصخصة ٣٠٪ من قطاع توليد الكهرباء منذ عام ٢٠١٢ والطريقة الحالية بطرح المشاريع الجديدة ومن ضمنها مشاريع الطاقة المتجدده لم تبنى على مبدأ العرض والطلب في السوق وإنما تأتي على شكل تقديم ضمانات أكيدة للمستثمر بتحقيق الأرباح وذلك بشراء كامل انتاج الطاقة لمدة ٢٠ عاماً بغض النظر عن حاجة السوق لها.
خطورة هذه الطريقه هو أن الشبكة السعودية لديها فائض كبير لا يستخدم في فصل الصيف يصل إلى ٣٠٪ وفصل الشتاء يصل ٦٠٪ وبموجب الاتفاقية فإن الدولة سوف تجد نفسها ملزمة بشراء طاقة لا حاجة لها فيه مما ينعكس على ارتفاع حاد في تكلفة الطاقه لا مبرر له.
وتجربة ماليزيا هي الأقرب لتوضيح تأثير ذلك فقد ارتفعت تكلفة دعم الكهرباء على الدولة وزادت تعرفة الكهرباء للمواطن وأبطأ النمو الاقتصادي بعدما وجدت الدولة نفسها تشتري طاقة فائضة.
وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب تضطر له بعض الدول التي تعاني من نقصان في السيولة المالية وترضخ لإشتراطات المستثمرين كالهند وباكستان إلا أنها أيضاً لم تحل مشكلة انقطاعات الكهرباء رغم التكلفة العالية .
كما أن دول أخرى رفضت الدخول في هذه الاتفاقيات كالبرازيل وتايلند وكوريا الجنوبية والمكسيك لقناعتها بعدم جدواها الاقتصادي.
فإن من المفارقات أن كوريا الجنوبية تدفع بشركاتها للإستحواذ على حصة الأسد في خصخصة قطاع الكهرباء في السعوديه بينما ترفض مشاركة قطاعها الخاص في شركة كوريا للكهرباء والتي ما زالت تتبع الدولة.
لهذا فإن هذا المبدأ ينافي أهداف الرؤية بإعادة توزيع دعم الدولة للطاقة للفئات المستحقه وليس للمستثمرين .
٢- تسريح المواطنين
تصريح رئيس مجلس إدارة شركة الكهرباء عن أن متطلبات المرحلة تقتضي تسريح ١٠٠٠٠ موظف لم تكن زلة لسان كما حاولت الشركة تداركه لاحقاً.
بل أنها الحقيقة التي يتحدث عنها الواقع في محطات الانتاج المستقل التي تم خصخصتها ، والتي يرفض المستثمر تشغيل المواطنين ويعتمد كلياً على عمالة وافدة ومقاولي بلده فقط.
فمن أصل ٨٧ موظف يعملون في المحطة الحادي عشر في ضرما لا يوجد سوى ١٤ موظف سعودي يعملون في مجال الحراسات والتعقيب والوظائف الهامشية ، وهذا ينافي أهداف رؤية المملكة في تعزيز المحتوى المحلي ، ويعمق البطالة بين المواطنين ويخرج المقاولين المحليين والصناعة عن المشاركة ببناء مشاريع الطاقة بشكل قاطع.
٣- احتكار الخدمة
يعتقد الكثير بأنه في عام ٢٠٢٠ أو حتى عام ٢٠٣٠ سوف يكون أمامه عدة شركات كهرباء منافسة يختارمنها واحدة مثل ماهو حاصل في قطاع الاتصالات.
والحقيقة أن جميع ما تم من إعلانه من إعادة هيكلة قطاع التوليد إلى ٤ شركات لا معنى له ولا تأثير يذكر على تحقيق التنافسيه .
ستبقي شركة الكهرباء هي المحتكر الوحيد لتقديم الخدمة فهي سوف تنتج الكهرباء وهي من تقوم ببيعه للمواطن.
تعززهذا التوجه في إنشاء الشركة السعودية لشراء الطاقة واتباعها إلى شركة الكهرباء بدل من أن يتم ارجاعها إلى الدولة الحامي الوحيد للمواطن من طمع الشركات المتنافسة كما فعلت وزارة المياه من خطوة موفقة بإرجاع شركة شراء المياه إلى الدولة.
حتى طريقة إعادة هيكلة قطاع التوليد بتقسيمها إلى أربع شركات كل شركة تحتوي على عدة محطات توليد من أنحاء المملكة يعزز تخبط المنظومة الكهربائيه في إيجاد هيكلة مناطقية يستطيع صاحب القرار أن يعرف أين مصادر الطاقة المتوفرة والرخيصة في البلد لكي يوجه الصناعات إليها، وأين ترتفع تكلفة الكهرباء في البلد فيخفف من المشاريع المستهلكة للطاقة ويركز جهوده لإيجاد حلول للطاقة في تلك المنطقه فقط.
وتجربة بريطانيا قاطرة العالم بالخصخصة توضح مدى تأثير الاحتكار على رفع أسعار تكلفة الكهرباء فالتجربة البريطانية نجحت بخصخصة جميع القطاعات إلا الكهرباء.
فبعد أن استحوذت ٨ شركات أمريكية من أصل ١٢ شركة على قطاع الكهرباء استطاعت رفع الأسعار ٤ مرات بحجج واهية.
وهذا يناقض هدف الرؤيه بالتنافسية والشفافية.
٤-بيع الاصول بسعر الخردة
تبلغ القيمة الدفترية لمحطات التوليد المزمع تخصيصها عن طريق بيع الاصول ما يقارب ٢٠٠ مليار ريال فكيف سوف يتم بيع المحطات ؟ هل سيضاف لها القيمة السوقيه بوجودها بمنطقة تشهد أعلى نمو على طلب الكهرباء بالعالم ، وتباع بأضعاف قيمتها الدفتريه ، أو أن تباع حسب سعرها بسوق الاسهم ؟
أم أنه سوف تباع بطريقة شركة بترومين بإحتساب قيمتها الدفتريه وخصم قيمة الاستهلاك لتكون المحصلة بيع المحطات بسعر الخردة . ويتفاجىء الجميع بأن المستثمر الهندي الذي قام بالشراء باع جزء من بترومين بأعلى من سعر البيع ب١٠ مرات.
التجارب العالمية السابقة في بيع اصول محطات الكهرباء اثبتت بتفوق المشتري على البائع والحصول على أسعار قليلة جداً.
لا نعرف كم سيبلغ سعر بيع أصول التوليد لكن تذكروا هذا الرقم ٥٠ مليار ريال .
٥- ارتفاع فاتورة الكهرباء لمستويات قياسية
ارتفاع فاتورة الكهرباء لن يكون بسبب رفع الدولة عن دعم قطاع الكهرباء بل لسوء إدارة ملف التخصيص ، فالدولة سوف تستمر بدعم القطاع كما ورد برؤية ٢٠٣٠ لكن سوف يتم إعادة توجيه الدعم إلى مستحقيه ، وكما هو واضح من توجه قطاع الكهرباء فإن هذا الدعم سوف يذهب إلى شراء طاقة فائضة لضمان دخول المستثمر.
كذالك فإن تحرير أسعار الوقود سوف لن يكون سبب بإرتفاع فاتورة الكهرباء بل السبب سوف يكون أيضاً استمرار ترهل الإداري والمالي واستمرار تركيز المسؤوليات لدى المدراء التنفيذيين وعكس اتجاه رؤية المملكة بإيجاد قطاع للطاقة يخضع للشفافية والتنافسيه.
الاستثمارات الهائلة التي قامت بها الدولة بزيادة وقود الغاز الطبيعي في خليط الطاقة من نسبة ٤٠٪ حالياً إلى نسبة ٧٠٪ عام ٢٠٢٦ م هذا يعني أن أسعار الوقود للكهرباء قد تم تحريريها بإستخدام وقود الغاز الطبيعي الرخيص الثمن والذي يعادل سعر برميل النفط المكافيء سعر برميل النفط المدعوم ( حوالي ٥ دولار).
وهذا يعزز ما ذكرت سابقاً بأن تحرير سعر الوقود لن يكون العامل الرئيسي لرفع أسعار الطاقة.
خاتمه
لإنجاح إدارة المنظومة الكهربائيه لتحقيق أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠ وإيقاف استنزاف ميزانية الدولة بدعم شركات الكهرباء فإننا بحاجة إلى تغيير جذري في هيكلة المنظومة لتتمكن من أخذ القرارات المتزنة المتوافقه مع الرؤية ، وبعد ذلك يأتي اختيار طريقة الخصخصه الصحيحة .
كما أن تحويل شركات الكهرباء الخاسرة إلى شركات ربحية بأسعار طاقة تنافسيه نجحت في بعض الدول وليس صعب على الإراده السعودية بتحقيق ذلك.
خاص_الفابيتا
لهذه الاسباب لن تنجح إدارة خصخصة قطاع الكهرباء ..
بعض التحليلات مبالغ فيها او غير دقيقة مثلا الفائض فترة الصيف في السعودية 30 بالمية , وان غير مفيد للشركة ان تشتري الطاقة الكهربائية من الشركات ل 20 سنة وهل حاجة المملكة للكهرباء ثابته ؟ الحاجة للكهرباء تزيد سنويا ثانيا : يوجد حاجة اسمها الربط الكهربائي مع الدول المجاورة , نستطيع ان نبيع الفائض لهم وان تخصيص شركة الكهرباء يخفف من العبء على ميزانية الدولة والشركات التي ستملك الكهرباء ستتنافس حتى تقدم خدمات افضل واسرع كما حصل مع شركة الهاتف ودخول منافسين صار عندنا خدمات هاتف مميزة وافضل بكثير من السابق لذلك لا تكن من اعداء التغيير
الاستاذ ابراهيم تقول ان الكاتب بالغ بالفائض ٣٠٪ في فترة الصيف وبنفس الوقت لم تذكر النسبة الحقيقيه. بلغة الارقام فإن اعلى حمل هذا العام ٦١,٥ وقدرة الشبكة ٧٤,٥ هذا يعني ان متوسط الفائض اعلى مما ذكره الكاتب . شركة الكهرباء تبي تحملني انا وانت تكلفة الترهل المالي لديها وترفع فواتير الكهرباء وهذا في احلام شركة الاربعين مدير والتي سوف تقتلعهم رؤية المملكة
الحاجة للكهرباء لا يمكن أن تزيد سنويا إلا في ظل النمو أما في ظل تراجع عدد الإستثمارات الضخمة في القطاع الصناعي مثلا كأكبر مستهلك للطاقة ( مثال ذلك ) تراجع إنتاج قطاع الأسمنت و في المقابل مغادرة بعض المرافقين للمقيمين ساهم في إخلاء العديد و العديد من الوحدات السكنية خاصة في الأحياء القديمة الأكثر إستهلاكا للكهرباء بسبب الإعتماد على أجهزة تكييف متهالكة و أجهزة كهربائية قديمة و ما إلى ذلك كما أن بدء الشركات الكبيرة في تطبيق ترشيد إستهلاك الطاقة سوف يساهم في إستقرار و تماسك إستهلاك الكهرباء خلال الفترة القادمة ... الربط الكهربائي يهدف إلى توثيق الإعتمادية و ليس إلى بيع الفائض نظرا لضعف القوة الشرائية في دولة مصر و تمتع بقية دول المجلس بفوائض إنتاجية في مجال التوليد
يا كبر آمالك "تقتلعهم"..
شكرا للدكتور عماد على هذا لمقال الرائع ، ولكن يادكتور لماذا لاتنقلون رأيكم إلى المسؤليين قبل مايودوا المواطن في داهية ،قلت المواطن لأنه هو عادة من يدفع ثمن أخطاء هؤلا المسؤلين الغبية
أخي الكريم المهندس/عماد الرمال: جذبني عنوان المقال وشجعني على قراءته!.. وعندما وصلتُ إلى جملة (.. ثمانينيات القرن الماضي عندما استحوذت الدولة على القطاع الكهربائي بالكامل بعد فشل القطاع الخاص..) توقفتُ عن تكملة القراءة!!.. والسببُ: أن ما ذُكرَ في ما بين القوسين هو خطأ تأريخي وعدم تقدير لرجال صناعة الكهرباء ذلك الوقت.. فالدولةُ أعزها الله كانت تدفع لشركات الكهرب الإعانات والقروض الكبيرة مقابل فرض سعر البيع للعموم (5 هللات) وكانت تصلُ إلى 10 أمثال السعر في بعض المناطق قبل ذلك.. وسببُ الدعم القوي للكهرب أن الدولة أعزها أرادت تعميم الكهرباء في جميع المناطق بعد أن كان نسبة التغطية بحدود 28% للسكان وجلهم في المدن الكبيرة.. وخلال تنفيذ خطة التنمية الأولى (1970-1975)، تبيّنَ للدولة حجم االإستثمارات المهولة لتوسعة قطاع الكهرباء لمساندة مشاريع التنمية الكبرى والتي لا يمكن الإعتماد على الطريقة السابقة في إدارة القطاع، فتمّ تحويل قروض الدولة المسجلة في ميزانيات شركاته إلى رأس مال جديد لها وتمّ تأسيس شركات موحدة في المناطق الكبرى فكانت الشرقية هي الأولى عام 1975م ثم الوسطى ثم الجنوبية وأخيراً الغربية قبل عام 1980 !!... الزبدة: الدولة حولت قروضها إلى رأس مال للشركات وأسست شركات موحدة لمساندة خطط التنمية الطموح الثانية وما تلاها ولا علاقةُ لذلك بقشل القطاع الخاص !!!.. كيف أعرف ذلك؟؟؟.. محدثكَ الضعيف هو أحد رجال تلك المراحل بصعبها وسهلها وأعرفُ عن قطاع الكهرب الذي تأسس قبل قرن الكثير والكثير الذي يملأ ملجدات.. كما ألقيت فيه محاضرات وأخرها في ورشة برنامج التنمية الإقتصادية التابع للأمم المتحدة والمنعقدة في بيروت صيف 2005م... واضحٌ إن شاء الله... ويبدو لي أنكَ من خارج القطاع الكهرب وبعيداً عن تاريخه لدم دقة معلوماتكَ !!.. وآسف على الإطالة فهو للتوضيح والتاريخ العزيز لدولتنا أعزها الله.