في مناسبة مرور تسع سنوات على أزمة المال العالمية، نذكّر مجدداً ببعض القضايا التي تحدثنا عنها سابقاً، والتي باتت تتأكد صحتها اليوم خصوصاً بتوقعاتنا حول استمرار تداعيات هذه الأزمة فترة من الزمن، بسبب ما يُجمع عليه خبراء كثر من أنها لم تُعالَج من جذورها. إذ ظلّت بعض هذه الجذور تتفاعل لتهدد اليوم بلداناً أخرى في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وغيرها من الدول النامية وحتى الأوروبية.
وأحد الأسباب التي تكشّفت وراء نقص المعالجات، هي أن المؤسسات المتضررة أو حتى الدول المتضررة ظلت ولا يزال بعضها، يخفي حجم الضرر الواقع عليه ويحاول تمديد تظاهره بعدم التضرر وفجأة تتكشف الأمور على حقيقتها، وهذا ما يسمّى الخطر الأخلاقي.
لذا، لم يكن مستغرباً في الذكرى التاسعة لنشوب الأزمة العالمية، أن نشهد ارتداد تداعياتها مرة أخرى على الدول الأوروبية ذاتها. وفي إيطاليا هذه المرة، حيث أُعلن عن انهيار مصرفيْن جديدين هما «بانكا بوبولاري دي فيتشنزا و «فينيتو بانكا»، ما دفع الحكومة الإيطالية إلى السماح لثاني أكبر مقرضيها، وهي مجموعة «إنتيسا سان باولو» بشراء أصولهما.
وتفيد دراسة لأحد المصارف العالمية بأن ما بات يثير حفيظة المستثمرين، أن المساهمات الحكومية الضخمة التي أفضت إلى صمود النظام المالي في وجه الأزمة، اقتُطعت من أموال دافعي الضرائب. لذلك تعالت أصوات المشاركين في الأسواق، مطالبين بضرورة عدم اقتصار تحمّل الخسائر الناجمة عن تهاوي البنوك على حاملي الأسهم فقط، بل أن يشمل ذلك أيضاً حاملي السندات (مع إمكان أن يشمل المودعين أيضاً). وأشاروا إلى أن التوجه يكتسب أهمية كبيرة في الحفاظ على انضباط الأسواق على المدى الطويل، والحؤول دون حصول المصارف الرديئة على تمويل منخفض الكلفة، بناءً على الافتراض القائل إن هذه البنوك ستكون مضمونة من الحكومة على نحو غير معلن، وهي الظاهرة ذاتها التي أطلقنا عليها «الخطر الأخلاقي».
وتصاعدت حدة هذا الجدل مرة أخرى، عقب إطلاق خطة إنقاذ القطاع المصرفي الإيطالي، التي توفر الحماية لجميع حاملي السندات الرئيسة، إضافة إلى عدد من حاملي السندات الثانوية من الوقوع في الخسائر. إذ تُحوّل كل القروض والأصول العاملة كاملة إلى مجموعة «إنتيسا سان باولو»، باعتبارها الفارس المُنقذ من الإفلاس. وسرعان ما ارتفعت قيمة السندات الرئيسة للبنكين المقرضين بعد انتشار هذا الخبر، بنسبة تصل إلى 15 نقطة، ما يعكس انخفاض مستويات الأخطار لدى مالكها الجديد. وفي المقابل، خسرت السندات الثانوية التي لم تُنقل وبقيت خارج هذه الإجراءات معظم قيمتها، ليتم تداولها بمبالغ ضئيلة جداً أو لا يُتداول بها على الإطلاق.
ويوجد وجه آخر لما يمكن تسميته الخطر الأخلاقي. إذ نحن كتبنا قبل عام وفي مناسبة مرور ثماني سنوات على الأزمة العالمية، أنها خلّفت تحديات مؤلمة لاقتصادات الدول المتقدمة، ورافقها انخفاض في أسعار الفائدة إلى الصفر وحتى دونه في دول أخرى. ولجأ معظم حكومات الدول إلى برامج التيسير الكمي كإجراء سهل لضخ سيولة جديدة في الأسواق، كذلك ارتفعت الديون السيادية نتيجة ازدياد العائد على السندات وأذون الخزينة. وشجّعت هذه الإغراءات مؤسسات القطاع الخاص على الاقتراض حتى بلغت حصتها نحو 70 في المئة من حجم الدَيْن العام، أي ما يعادل أكثر من 100 تريليون دولار، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
ويبين تقرير لمعهد التمويل الدولي، أن الديون العالمية بأنواعها زادت أكثر من عشرة تريليونات دولار لتتجاوز 216 تريليوناً، تعادل 327 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي، أي أكثر من خمسة أضعاف نسبة «القاعدة الذهبية» المحددة بنسبة 60 في المئة. ولوحظ أن ديون أسواق الدول المتقدمة تقترب سريعاً من 400 في المئة من الناتج، حيث زاد حجم إصدارات الديون في قطاعاتها في النصف الأول 8 تريليونات دولار، إلى 163 تريليوناً مع نهاية حزيران (يونيو) 2016.
أما أسباب تفاقم الديون العالمية، فيعود معظمها إلى توافر المال الرخيص كما سبق وذكرنا، في ظل اعتماد معظم الدول المبدأ الاقتصادي القائل، إن المتاجرة بالديون أفضل من استخدام رأس المال المملوك، نظراً إلى انخفاض كلفتها.
لكن لم ينحصر تدفق هذه الأموال الرخيصة إلى أسواق المال في الدول المتقدمة فقط، بل دخل قسم كبير منها إلى أسواق الدول النامية. ومن الإحصاءات الخطيرة التي تشير إلى تفاقم الخطر الأخلاقي، ما تظهره بعض البيانات من ضخ الاحتياط الفيديرالي وبنك انكلترا المركزي والمصرف المركزي الأوروبي، أموالاً رخيصة للأسواق المالية في بلدانها، ما دفع بتدفق نحو 9.8 تريليون دولار خلال السنوات الماضية في اتجاه دول في أميركا اللاتينية وأفريقيا على شكل قروض وسندات، منها 7 تريليونات دولار إلى الأسواق النامية مستغلين حاجة هذه الدولة الملحة إلى الأموال، والتي تسعى إلى تجميل صورتها الاقتصادية للحصول على هذه الأموال. وهذا أيضاً يفاقم الخطر الأخلاقي الذي قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، حيث يتم الحصول على هذا التمويل بالدولار الأميركي، ثم يُحوّل إلى العملات المحلية لاستخدامها. ومع ارتفاع الدولار اليوم، سيرتفع الحجم الحقيقي لهذه الديون ونسب خدمتها، ما يجعل هذه الدول في وضع يصعب عليها إعادة تسديدها. وهذا يهدد بنقل الأزمة إلى هذه الدول خلال المرحلة المقبلة.
نقلا عن الحياة
أستاذ عدنان .. أتعجب أنا وغيري من مساهمي مجموعة البركة المصرفية من عدم دخول المصرف في المزايدة على شراء أسهم المجموعة التي عرضتها محكمة التنفيذ لأحد رجال الأعمال.. المجموعة حاليا لديها السيولة الكافية ولله الحمد بعد إصدار الصكوك وهي في وضع مالي جيد بحمد الله فلماذا لم تقدم المجموعة على شراء أسهمها حيث أنها مخولة بذلك مسبقا ؟! وماذا عن الاستحواذات الجديدة سواء على حصة بنك الخير في باكستان أو الاستحواذ الآخر في باكستان, وكذلك ما الجديد بخصوص خطط الاستحواذ على مصرف في اندونيسيا.. اعتدنا منكم الشفافية معنا كمساهمين ولك الشكر