سيتم التطرق في هذه الزاوية إلى حظوظ دانة غاز في كسب القضية المتعلقة بإثبات عدم امتثال صكوكها للشريعة، مستعينين في ذلك بأسلوب «الحجج المنطقية» التي نستعرض عبرها أبرز نقاط الضعف في حجة الشركة (التي ساقتها للدائنين)، وبعد ذلك نبدي وجهة نظرنا (وهي اجتهاد شخصي) حول ما يمكن أن يؤول إليه الحكم القضائي المنتظر أن تبدأ فصوله الأولية بأواخر شهر ديسمبر. وفي الوقت نفسه، على المساهمين بالشركة أن ينظروا في مسألة احتمالية خسارة الشركة قضائيًّا، حتى لو أن البعض يرى أن ذلك قد يكون مستبعدًا بسبب حنكة الشركة في المرافعات القضائية، وسجلها في كسب القضايا حتى الآن.
نقاط الضعف
نورد أدناه الحجة الرئيسية التي ارتكزت عليها دانة غاز في بيانها حول عدم مشروعية الصكوك، وبعد ذلك نورد نقاط الضعف: «بناء على التطور المستمر الذي طرأ على أدوات التمويل الإسلامية نتيجة المراجعات التي تمت خلال السنوات القليلة الماضية تلقت الشركة مؤخرًا نصيحة قانونية، تفيد بأن صكوك المضاربة بصيغتها الحالية لا تتوافق مع أحكام الشريعة. وتقترح الشركة استبدال الصكوك بأداة جديدة قابلة للتنفيذ، ومتوافقة مع أحكام الشريعة، وأن تكون مدة استحقاقها 4 سنوات، وبتوزيعات أرباح بنسبة تقل عن نصف نسبة الأرباح الحالية».
1) صعوبة نقض الفتوى الشرعية السابقة لصكوك دانة غاز: الذين يتذكرون الزاوية الماضية المعنونة بـ «صدمة» صكوك دانة غاز التي تحولت بين ليلة وضحاها إلى «غير إسلامية» يدركون أننا شككنا في حجة الطعن بالفتوى السابقة الصادرة في 2013. وهذا بالفعل ما أجمع عليه لاحقًا بعض فقهاء المصارف (في تقرير لرويترز) الذين نقل عنهم القول إن العقود الإسلامية ليست عرضة لإعادة التأويل، وذلك بعد صدور الفتوى النهائية (من هيئة شرعية مرموقة) بإجازة المنتج المالي الاستثماري. بعبارة أخرى: المسألة الشرعية تعتبر مقفلة من اللحظة التي تصدر فيها الفتوى النهائية خلال وقت الإصدار. على العموم، المبررات الشرعية الثلاثة التي ساقتها دانة غاز حول صكوك المضاربة كانت موجودة في إصدارات الصكوك التي تم إصدارها خلال أو قبل 2007، ومن ثم تم معالجة أوجه القصور في هياكل صكوك المضاربة والمشاركة بقيادة الفقيه المصرفي المصلح (تقي عثماني)، وذلك عبر الإرشادات التي أصدرتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في 2008.
2) القانون الإماراتي الخاص بأدوات الدَّين المتوافقة مع الشريعة لم يتغير منذ صدور الصكوك (موضع الخلاف) في 2013: فقد نقلت بلومبرج تصريحًا عن أبرز المستشارين القانونيين المتخصصين بالصكوك (من شركة كينج آند سبولدينج) قوله إن هيكلة صكوك المضاربة بالإمارات لم تتغير منذ 2013، وعليه ما الذي يجعل الصكوك الحالية غير قانونية؟ فإذا كانت صكوك الـ700 مليون دولار غير قانونية الآن فإن هذا معناه أن هذه الصكوك كانت غير قانونية لحظة إصدارها في 2013! لعلي هنا أستشهد بمقولة أحد الفقهاء المعروفين بصناعة المال الإسلامية عندما كان يقول لنا: «العقد شريعة المتعاقدين ما لم يخالف الشرع». يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ...}. ونقل أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: «المسلمون على شروطهم».
3) عدم الامتثال بالشريعة لا يعتبر قانونيًّا «حدث تعثر» (Default Event): المتعودون على قراءة نشرات الإصدار الخاصة بالصكوك يدركون أن هناك التزامات تعاقدية، يكون لها تبعات مالية في حالة كسرها. ما تحاول دانة غاز إخبارنا به هو أن عدم الامتثال الشرعي يعتبر حدث تعثر بالرغم من أن مستندات الإصدار لا تقول ذلك من الأساس.
4) القانون الإنجليزي الذي ترتكز عليه مستندات الإصدار سينظر للالتزامات التعاقدية (قبل الأمور الشرعية)، التي ستضع دانة غاز في موقف ضعيف: معنى ذلك عندما ينتهي الحظر الوقتي الذي يمنع المستثمرين من استهداف أصول الصكوك فإنه من المتوقع أن يتم (في حالة عدم الاتفاق بين الطرفين) رفع دعوى قضائية بالمحاكم البريطانية، التي يرى مراقبون أنها ستميل للدائنين؛ وذلك ارتكازًا لقضايا سابقة مماثلة. مع العلم أن نشرات إصدار الصكوك تذكر في ثناياه مخاطر عدم امتثال الصكوك للشريعة، وكون ذلك يرجع لتباين الآراء (أي المدارس الفقهية الأربع). نأخذ في عين الاعتبار مخاطر طعن المستثمرين في قرار المحكمة بعدم المساس بأصول الصكوك حتى ديسمبر. وقد يتم نقضه قبل ذلك.
5) سيحتج الفريق القانوني للدائنين بأن دانة غاز تتنصل من التزاماتها التعاقدية (وفق القانون الإنجليزي) (بسبب المصاعب التي تواجهها في تحصيل التدفقات النقدية)، وذلك عبر حجة عدم «إسلامية» صكوكها، التي كانت شرعية قبل أربع سنوات، وأصبحت غير ذلك قبل 4 أشهر من دنو موعد إطفائها واقتراب موعد التفاوض مع الدائنين.
حظوظ النجاح الواهنة
في تصريح نادر للمتحدثة باسم دانة غاز، نقلته عنها مجلة الطاقة «إنرجي انتلجينس»: «نتفهم موقف حملة السندات الذين يقفون وظهرهم للحائط، ولكنهم كانوا يتربحون على حساب الشركة لعقد من الزمان. نريد توزيعات (أرباح) مناسبة». ذلك التصريح النادر يكشف لنا الدافع الحقيقي وراء طلب إعادة هيكلة الصكوك، وأن إلصاق تهمة «عدم الامتثال الشرعي» كان بمنزلة الغاية لتحقيق هدف (إعادة هيكلة الديون بأقل كلفة)، حتى لو كان سينتج من ذلك التصرف تشويه سمعة صناعة المال الإسلامية التي تقدر قيمتها بتريليونَي دولار، والتي يرتكز «لبها» على مصداقية الفتوى الشرعية للمنتجات المصرفية والمالية؛ لذلك نرى أبرز شخصيات المالية الإسلامية تظهر في الإعلام الغربي من أجل زيادة الوعي حول هذه القضية الجدلية، وكيف أن الشركة جرّت «صناعة المال الإسلامية» بأسرها لمتاعبها المالية من أجل الضغط على الدائنين للحصول على شروط أفضل لإعادة هيكلة ديونها. نحن نتفهم «إيثار» دانة غاز مصالح مساهميها على حملة الصكوك، ومع هذا لم نكن نحبذ مسألة طعنها بالمصداقية الشرعية لصكوكها وتبعات ذلك على الصناعة كلها.
نقلا عن الجزيرة