قد لا يعلم الكثير ذلك ولكن دائما ما تكون أدوات الدين المدرجة بالأسواق الدولية (لأي دولة) محط أنظار المراقبين ووسائل الإعلام. أما لماذا؟ فالسبب أن هذه الإصدارات تصبح بمثابة "الواجهة" للأداء الاقتصادي لكل دولة فضلاً عن كون هذه الادراجات تعكس "معنويات" (Sentiment) المستثمرين التي تتأثر بما يعرف الآن بمخاطر جديدة تُعرف حالياً بـ "مخاطر العناوين السلبية" (headlines risk) وكذلك المخاطر الجيوسياسية. كل هذه الأمور تساهم في تقلبات أداء أدوات الدين لأي دولة إلا في حالة إتخاذ التدابير المناسبة. ونظراً للتجربة الماضية التي عاشتها المملكة والتي ركز فيها الاعلام العالمي على أداء سوق الأسهم السعودي (وما صاحبه من دعم من الصناديق الحكومية) وكذلك أداء ما يصل الى 12 إصدار سيادي من أدوات الدين، فإني اقترح مايلي وذلك من أجل تقنين تقلبات أداء أدوات الدين السيادية بالبورصات العالمية:
1) لطالما تركز تمويل العجز بالسعودية على الاقتراض المحلي (المقوم بالعملة المحلية) او الخارجي (المقوم بعملة الدولار). ولكن أعتقد أن الوقت قد حان لاستكشاف الإصدار بعملات مختلفة للدول التي لدينا معها روابط اقتصادية متينة أو عُرف عن مستثمريها وقوفهم مع الإصدارات السعودية مثل شركات التأمين التايوانية. فهذه المنهجية مفيدة جداً عندما تكون ظروف الأسواق او تكاليف التمويل غير مناسبة للإصدار. عندها قد تكون أسواق دين بعملة أخرى أفضل بسبب تدني علاوة الإصدار. وفي الوقت الحالي فإن أكثر الأسواق المؤهلة للمملكة هي أسواق الدين الآسيوية لا سيما سندات الفورموسا الدولارية وسندات الباندا المقومة بالعملة الصينية. فالمستثمرين الآسيويين لا يتأثرون كثيرا بعناوين الأخبار السلبية مقارنة بنظرائهم الغربيين. مثل هذه الاصدارات التي تكون بعملات مختلفة تتطلب التحضير لها مبكرا عبر اعداد مستندات خاصة بالتحوط من مخاطر الانكشاف على العملات الأجنبية.
2) حبذا لو ينظر مكتب الدين العام في إعداد مبادرة وطنية مؤسساتية بحيث تُفعل هذا الاستراتيجية في الأوقات التي تقيم فيها أدوات الدين بأقل من قيمتها العالية (لنقول في اللحظة التي تتداول تلك الأدوات ما دون 94 سنت للدولار). وهذه الاستراتيجية يتم تفعيلها بالشراكة مع الصناديق الحكومية والبنوك السعودية والشركات المحلية الكبرى. ومعظم تلك الجهات لديها محافظ استثمارية خاصة بأدوات الدخل الثابت المقومة بالدولار. وعليه فبدل ما يتم الاستثمار في سندات الدول الأخرى، نوجه تلك السيولة لدعم إصدارات بلدنا. وهذا استثمار ناجح لأننا نقتنص فرصة استثمارية نادرة ونحقق عوائد أعلى (عند تعافيها) مقارنة مع المستثمرين الآخرين والأهم من ذلك كله هو دعم المؤسسات المحلية لإصدارات المملكة خلال تقلبات الأسواق الناشئة بحيث نقلل من حدة تلك التقلبات. وهذه الاستراتيجية يتم تطبيقها (الى حد ما) مع إصدارات الصين السيادية التي تحظى بدعم المحافظ المحلية. وتستطيع تلك المحافظ التخارج من هذه الاستثمارات (التي هي في الأصل قصيرة الأجل)عند تعافيها وذلك بعد تحقيق عائد مجزي.
الوطنية على مستوى العمل الجماعي للمؤسسات
لطالما أظهر أفراد المجتمع السعودي تكاتفهم الوطني خلف القيادة وكذلك وقفتهم للذود عن كل من ينتقد وطننا وهذا ما لفت في الآونة الأخيرة أنظار الإعلام الغربي. العمل الوطني ليس مقصوراً على الأفراد ولكن أيضاً يمكن تطبيقه على شكل العمل الجماعي المؤسسي كما نرى بين الفينة والأخرى من دعم الصناديق الحكومية والشركات لسوق الأسهم عندما قام بعض المستثمرون الأجانب بعمليات بيع مكثفة بسوق الأسهم السعودي. ومثلما رأينا كيف قادت ساما (البنك المركزي السعودي) مبادرة ضخ ودائع إضافية عن طريقها وكذلك تلك الودائع القادمة من كبرى الشركات السعودية (التي جلبت بعض ودائعها من الخارج وضختها بالبنوك السعودية) إبان فترة نقص السيولة الفائضة بالقطاع البنكي في 2016، فإننا نطمح هذه المرة أن تقود إحدى الجهات الحكومية لمبادرة دعم الإصدارات السيادية للمملكة إبان تقلبات الأسواق الناشئة.
تقييم أداء إصدارات المملكة الدولارية
بالرغم من الحملة الإعلامية الغربية (والتي لا تزال مستمرة) على المملكة إلا أن المستثمرين أقبلوا على شراء أدوات الدين من السوق الثانوية، مما مكن سندات السعودية لتحقيق أفضل أداء من كافة سندات الدول المدرجة بمؤشر سندات بنك ميريل لينش للأسواق الناشئة. فلقد حققت سندات المملكة عائد يصل الى 0.41٪ الأسبوع الماضي، بحسب ورقة بحثية صادرة من كريديت سايتس.
التداول دون القيمة الاسمية
وكما ذكرنا في المذكرة البحثية السابقة فإن التراجعات على أداء أدوات الدين السيادية ليست مقصورة على المملكة فحسب بل هي ظاهرة عامة شملت الأسواق الناشئة (إلا أن بعض وسائل الاعلام صورت الأمر على غير محله). ولتدعيم ما ذكرناه بلغة الأرقام، فبحسب دراسة أجرتها بلومبرج انتلجينس، فإن أكثر من نصف (57٪) سندات الأسواق الناشئة المدرجة بالمؤشرات (من ضمنها المملكة) تتداول بأقل من قيمتها الاسمية (مقارنة مع 29٪ في أواخر 2017.