يشاهد الزائر للقاهرة لوحات عدة على الجسور والطرق عليها صورة الراحل طلعت حرب وتقول «طلعت حرب سيعود». معلوم أن طلعت حرب كان من بناة النهضة الاقتصادية في مصر ومن بين أهم رجال الأعمال في العهد الملكي الذي أنهته ثورة 23 تموز (يوليو) 1952. ربما تعني هذه اللوحات رمزياً تأكيد دور الرأسمالية الوطنية في بناء مصر الجديدة حيث يتم الإعلان في شكل ظاهر عن المشاريع الاقتصادية، سواء كانت صناعية أو خدمية أو زراعية، والتي يساهم فيها القطاع الخاص، ويتم إبراز شخصيات عدة من رجال الأعمال والإشارة الى دورهم في توظيف الأموال في تلك المشاريع.
لكن، هل تتّجه مصر فعلاً في شكل واضح نحو اقتصادات السوق وتتحرر من البيروقراطية ونهج رأسمالية الدولة الذي تم تبنيه من قادة 23 يوليو وتأكيده في الميثاق الوطني الذي اعتمد من الاتحاد الاشتراكي بقيادة الراحل جمال عبد الناصر عام 1961؟ لا شك في أن تحولات مهمة جرت من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد المصري منذ عام 1974، وبعد تولي الرئيس الراحل أنور السادات الحكم عام 1970، اذ أطلق فلسفة الانفتاح الاقتصادي، والتي أطلق عليها خصومه ورجال عهد عبد الناصر والعناصر اليسارية سياسة «السداح مداح» أو الانفلات الاقتصادي. بيد أن الانفتاح الاقتصادي على مدى العقود الأربعة الماضية لم يجعل من الاقتصاد المصري اقتصاداً رأسمالياً حقيقياً بعدما عرقلت البيروقراطية عمليات الإصلاح والتصحيح وتفشت بذور الفساد الإداري والسياسي وهيمنة الطبقة الجديدة على المصالح الحيوية في البلاد.
الآن، وبعد ثورة 25 يناير، والتي هدفت الى إرساء حكم رشيد وعدالة اجتماعية، تحاول القيادة السياسية أن توظف الموارد في بنية اقتصادية تتيح إمكانات النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل من خلال التوسع في النشاطات والأعمال والمشاريع الكبرى. هناك اقتصاديون مصريون مرموقون لا يعولون كثيراً على سياسات العهد الجديد، مع هيمنة الجيش والقوات المسحلة والأمنية على مفاصل الاقتصاد، إذ تتحكم هذه القوى بالكثير من الصناعات والنشاطات الخدمية وغيرها من مصالح.
وتؤكد دراسات حديثة، أن دور القوات المسلحة المصرية في الاقتصاد توسع بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، بما يعني هيمنة سياسية واقتصادية غير قابلة للتحدي. وكما هو معلوم، أن المصانع الحربية كانت جزءاً مهماً من تراث يوليو وحكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لكن بعد توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل وخفض مخصصات الإنفاق العسكري، توسعت المنظومة العسكرية في النشاط الاقتصادي للتعويض عنها. ولم تتوقف توظيفات المؤسسة العسكرية عند حدود الحاجات الصناعية والخدمية التي تتطلبها القوات المسلحة، بل توغلت في أعمال وقطاعات عدة تنتج سلعاً وبضائع مدنية وتقوم بنشاطات خدمية. وبطبيعة الحال، لا تتوافر إحصاءات وبيانات دقيقة تحدد حجم الاستثمارات ومداخيلها والأيدي العاملة في تلك الأعمال أو المنشآت. وهناك من يزعم أن عدداً من رجال الأعمال وشخصيات مقربة من السلطة يستفيدون من هذه الهيمنة الاقتصادية للقوات المسلحة.
إذاً، كيف يمكن تفعيل دور رجال الأعمال وإصلاح الأوضاع الاقتصادية بما يؤسس لاقتصادات السوق الحقيقية، كما ترمز إليه لوحات «عودة طلعت حرب» ؟ غني عن البيان أن الإصلاحات أصبحت مستحقة وأساسية في برامج التمويل المعتمدة من الحكومة والمتفق عليها مع صندوق النقد الدولي. وعندما تم إقرار عملية تعويم الجنيه المصري في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، استبشر كثر من الاقتصاديين ورجال الأعمال ببداية الإصلاح والتصحيح. هناك أهمية لمعالجات عدة أهمها توفير الشفافية في الحياة الاقتصادية ومعلومات أساسية في شأن كل النشاطات الاقتصادية وتأكيد بيئة أعمال متحررة من الهيمنة الحكومية أو المصالح المتضاربة. كما يجب على السلطات السياسية أن توفر مناخاً للتنافس وتعزيز قدرة المستثمرين، المحليين والأجانب، لتوظيف أموالهم في ظل قوانين واضحة في شأن التملك والتسويق والضرائب ونقل الأموال.
يُذكر أن إصلاح نظام تسعير العملة المحلية أدى إلى تدفقات مالية مهمة وارتفعت احتياطات البلد من النقد الأجنبي من 18 بليون دولار في تشرين الثاني 2016 إلى 28 بليوناً نهاية آذار(مارس) من هذه السنة. وربما تتحسن هذه التدفقات إذا تمت السيطرة في شكل تام على الأوضاع الأمنية بما يحسن اقتصاد السياحة. وتظل مسألة التحرير الاقتصادي قضية محورية في عملية إعادة الهيكلة وتتطلب إرادة سياسية ومعالجات منهجية تنقل الاقتصاد المصري إلى اقتصاد يديره رجال الأعمال.
نقلا عن الحياة
مشكلة مصر في ثقافة المجتمع وقيمة و مفاهيمة وسلوكياته. قبل انقلاب 52 وما لحقه من عبث من قبل صغار الضباط كان اقتصاد مصر يملك ويدار من قبل نخبة حقيقية معظمهم من الاجانب وبعدها تغير الحال والنتيجة ما تراه. اليوم لا توجد نخبة حقيقية في مصر اجتماعيا او سياسيا او اقتصادياً هناك براعم ولكن نموها يحتاج الى عقود لتنضج.