اقتصاد قطر بعد القطيعة

07/06/2017 7
محمد العنقري

تضمن بيان المملكة الذي أوضحت فيه أسباب قطع العلاقات مع قطر تصرفات تعدُّ طعنة وغدر بحق كل دول مجلس التعاون الخليجي، عملت من خلالها على العبث بأمنها واستقرارها، لذلك جاءت الإجراءات بمستوى يرقى لحجم الضرر الذي تسببت به الدوحة لأشقائها الخليجيين قبل غيرهم رغم وجودها بدول مجلس التعاون وتوقيعها على كل المواثيق والاتفاقيات التي تحمي دول المجلس من أي خطر على أمنها، وأتت الإجراءت من السعودية وبقية الدول التي اتخذت الإجراء نفسها بقطع العلاقات بمستوى شكَّل صدمة سريعة للاقتصاد القطري.

فمع إغلاق الأجواء والمنافذ البرية والبحرية وإيقاف كل أنواع التعامل الاقتصادي إضافة للسياسي، فإن التساؤلات برزت عن حجم الضرر الذي سيقع على اقتصاد قطر، وجاءت الإجابات من مؤسسات مالية عالمية سريعاً حول أن الآثار ستصل لمجمل مفاصل الاقتصاد القطري سلبياً، حيث يبرز من بينها ارتفاع تكلفة السلع الأساسية الغذائية تحديداً وبعض مواد البناء، فقطر تستورد نحو 90 ‎%‎ من احتياجاتها الغذائية من أو عبر دول الخليج، ومع توقف التجارة البينية مع السعودية والإمارات فإن ارتفاعاً بأسعار السلع سيظهر بفترة قصيرة بالسوق القطرية، لأن تعويض الاحتياجات من أسواق بعيدة يعني ارتفاعاً في تكلفة نقلها وسيؤثر ذلك على معدلات التضخم ارتفاعاً وبالتالي ارتفاع تكلفة المعيشة مما يتطلب أخذ إجراءات مضادة لكبح التضخم، ففي حال اللجوء إلى تدابير بتشديد السياسة النقدية والمالية، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع كبير بمعدلات النمو الاقتصادي، وهو ما يتباين مع تحرك قطر لضخ العديد من المشاريع قبل اقتراب موعد كأس العالم 2022.

كما أن توقف إمداد بعض السلع الرئيسة من أسواق الخليج التي تستوردها لإنجاز مشاريعها فإن التكلفة سترتفع، وبذلك فإن التقديرات للموازنات المرصودة لمشاريع البنية التحتية سترتفع، وبذلك سيكون هناك ضغط على عجز الموازنات القطرية لأعوام قادمة ارتفاعاً، ففي عام 2016 حققت قطر عجزاً لأول مرة منذ 15 عاماً بنحو 45 مليار ريال قطري، ويتوقع أن يستمر لهذا العام عند نحو 30 مليار رغم تقليص النفقات بنسب كبيرة، فأغلب دول الخليج تمر بمرحلة تحقيق عجوزات بميزاتياتها مع تراجع أسعار النفط والغاز، لكن بما أن على قطر التزامات بعد فوزها باستضافة كأس العالم، فإنها ستكون مضطرة للاستمرار بمشاريعها دون تغيير أو تأجيل التزاماً بشروط الفيفا وما تعهدت به مما سيشكل ضغطاً اقتصادياً إضافياً عليها، فمن غير السهل أن تقوم بتعويض مصادر وارداتها بتكلفة منخفضة من دول الخليج بفترة قصيرة من أسواق أبعد سترتفع تكلفة السلع الواردة منها.

أما الأضرار الأخرى فقد ظهرت على السوق المالية بجلسة يوم الاثنين بانخفاض فاق 7 ‎%‎ وبتداول مرتفع مما عكس حالة القلق لدى المستثمرين خصوصاً المؤسسات المالية الأجنبية التي ستتوقع مع المقاطعة تراجع أداء الشركات القطرية المدرجة إضافة لبقية الآثار المحتملة كارتفاع التضخم واتخاذ سياسات نقدية أو مالية متشددة ومفاجئة تنعكس سلباً على النمو الاقتصادي، فبالتأكيد لن يتوقع المستثمرون في حال استمرت الأزمة والقطيعة أن تستطيع قطر امتصاص الأثر الاقتصادي السلبي بسهولة، فهي لم تعتد على اقتصاد الأزمات، كما أن المقاطعة تتم من دول حدودية معها لذلك الأثر يكون واسعاً وليس كما لو أنها مقاطعة وعقوبات من دول بعيدة، إضافة إلى أن قطر تستورد جل احتياجاتها، ومساحتها الصغيرة وطبيعتها المناخية لا تسمح لها بالزراعة مما يشكل ضغوطاً وأعباء كبيرة ستنعكس كثيراً بعجز الميزان التجاري لارتفاع التكاليف مستقبلاً.

أما في الشق المالي فقد برز بعد قرار قطع العلاقات ارتفاع المضاربة على الريال القطري تحوطاً وما يُعَدُّ إشارة لاهتزاز الثقة فيه من قبل المضاربين مما يتطلب تدخلاً من البنك المركزي القطري لفترة قادمة ليراقب الأسواق لإعادة الاستقرار للريال، إضافة إلى ارتفاع تكلفة التأمين على الديون السيادية القطرية وهو من المؤشرات المهمة التي تظهر مدى الثقة بمستقبل أي اقتصاد إضافة لتأثيرات سلبية ظهرت أيضاً على قيم السندات القطرية مع إعلان من وكالات التصنيف بأنها ستراجع التصنيف الائتماني القطري الذي يعد قوياً حالياً لأن الوكالات تتوقع ضغوطاً على الاقتصاد مما سيرفع تكلفة القروض مستقبلاً على أي إصدار لسندات قطرية.

ولم ينحصر قياس الأثر السلبي عند التبادل التجارب أو الضغوط على الاقتصاد وتقييمه ونموه بل تجاوز ذلك لينعكس على النشاطات الخدمية وتنقل مواطني مجلس التعاون لقطر فقد أعلن عن عدد الرحلات التي ستفقدها الخطوط القطرية نحو 50 رحلة يومياً إضافة لفقدانها ركاب من السوق السعودي بخلاف تغيير مسار رحلاتها بعد إقفال الأجواء مما سيرفع تكلفة بعض الرحلات ويؤثر على حجم التشغيل كونها شركة تعتمد على الترانزيت بنسبة مؤثرة يضاف لذلك حركة السفن والبواخر القطرية التي ست منع من الرسو بموانى الدول التي قاطعت قطر أو المرور بمياهها الإقليمية، ولكل ذلك تبعات بارتفاع التكاليف على واردات وصادرات قطر ونشاط القطاع الخاص الذي سيحتاج لجهد حكومي مضاعف ومكلف مادياً حتى يتمكن من استيعاب الصدمة مع صعوبة خفض كل التكاليف لأنه فقد العامل الجغرافي الأكثر تأثيراً عليه.

الآثار السلبية على اقتصاد قطر ستكون كبيرة وستظهر تباعاً خلال الشهور القليلة القادمة بنتائج نموها الاقتصادي ما لم تعد قطر لتكون دولة فاعلة وملتزمة بالأمن والسلم بالمنطقة والخليج وتبتعد عن السياسات السابقة التي أوصلتها لهذه القطيعة الجماعية بعد نفاد كل فرص الحلول والمعالجة للخلافات على مدى 21 عاماً.

نقلا عن الجزيرة