لأننا في أمس الحاجة إلى تخفيف اعتمادنا على النفط وتنويع مصادر دخلنا، وتوسيع قاعدة أنشطتنا الاقتصادية ذات القيمة المضافة العالية، وتوفير الموارد الدائمة والمنتظمة لميزانيتنا السنوية، عزمت المملكة على ممارسة مهامها في النظام المالي العالمي من خلال مضاعفة أحجام ودائعها في صناديقها السيادية، بقيادة صندوق الاستثمارات العامة ومؤسسة النقد العربي السعودي، وذلك لاستثمار مدخراتها في المشاريع والشركات المحلية والإقليمية والعالمية لصالح أجيالنا القادمة.
هذه الأهداف جاءت لتحقيق رؤية المملكة 2030 الرامية لزيادة فاعلية دور هذه الصناديق وتعظيم قدراتها على امتصاص صدمات انخفاض أسعار النفط، ورفع أصولها المالية إلى حوالي 2 تريليون دولار أميركي. واليوم نلاحظ أن المملكة حققت جزءاً من أهدافها الطموحة بعد ارتفاع حصة صندوق الاستثمارات العامة ومؤسسة النقد بنسبة 9.5% من ثروات الصناديق السيادية العالمية بنهاية الشهر الماضي، لتصل قيمة أصولهما المالية إلى 697 مليار دولار أميركي، مقارنة بقيمة أصول الصناديق السيادية العالمية التي فاقت 7 تريليونات دولار. وبذلك احتلت مؤسسة النقد المرتبة الخامسة عالمياً بقيمة أصول مالية فاقت 514 مليار دولار، وجاء صندوق الاستثمارات العامة في المركز 12 بقيمة أصول تزيد عن 183 مليار دولار أميركي.
ومع أن الصندوق السيادي النرويجي يتصدر المركز الأول عالمياً بقيمة أصول 922 مليار دولار، لتشكل 12.5% من إجمالي أصول الصناديق السيادية في العالم، إلا أن الصناديق السيادية في الأسواق الناشئة داخل الشرق الأوسط وآسيا استحوذت على 62% من الصناديق السيادية العالمية، لتحقق الأرباح المرجوة وجذب رؤوس الأموال، حيث جاء صندوق أبوظبي للاستثمار في المرتبة الثانية عالمياً بقيمة أصول 828 مليار دولار، ثم صندوق شركة الاستثمار الصينية بقيمة أصول 814 مليار دولار.
معهد «التمويل الدولي الأميركي» أوضح في الشهر الماضي أن 36% من الإجمالي التراكمي لحجم الأصول الخليجية في صناديقها السيادية تمّ ضخّه في الأسواق العالمية خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأن أوروبا استقطبت 55% من التدفقات المالية من الدول الخليجية، فيما استحوذت دول الشرق الأوسط على 11% من هذه التدفقات، لتثمر في زيادة مدخرات الصناديق الخليجية وزيادة السيولة الدولية بنسبة فاقت 44% لتسهم في تحريك الاقتصاد العالمي.
ومع أن مصرف «ستاندرد تشارترد» الأميركي أكد على أن أحجام وموجودات الصناديق السيادية العالمية لا تمثل سوى 15% من الأصول المدارة من قبل شركات التأمين، و27% من أصول صناديق المعاشات، و50% من احتياطات الصرف العالمية، مما يضع الصناديق السيادية في المرتبة الرابعة من حيث الأصول المالية في الأسواق العالمية، إلا أن «معهد الصناديق السيادية» أكد على أن هذه الصناديق، التي يعود تاريخها إلى عام 1953، بدأت تنشط بصورة كبيرة مؤخراً لتفوق قيمة أصولها وموجوداتها نسبة 16% من إجمالي القيم المتداولة في بورصة نيويورك، أو 48% من إجمالي القيم المتداولة في بورصة طوكيو، لتسجل هذه الصناديق للعام الثالث على التوالي مستويات نمو سنوية قياسية بلغت 8% في العام الماضي.
هذه الصناديق نجحت عند انخفاض أسعار النفط، إلى التركيز على أصول السلع العالمية، لتستحوذ على 19% من حصص الأصول الصناعية الأوروبية والأميركية. كما نجحت في إنقاذ البنوك المتعثرة في سندات الرهن العقاري، فقام بنك التنمية الصيني بضخ 3 مليارات دولار في بنك «باركليز» البريطاني الذي كاد أن يفقد سيطرته على بنك «إيه بي إن أمرو» الأميركي، وقامت شركة «تيماسيك» السنغافورية بتملك حصة بنك «ستاندرد تشارترد» من أسهم بنك «باركليز» البريطاني البالغة 71%، وقام الصندوق السنغافوري السيادي بشراء 9% من بنك «يو بي إس» السويسري بمبلغ 10 مليارات دولار.
كما لجأت الصناديق الصينية والخليجية في العقد الماضي إلى تنويع استثمارات فوائضها المالية من خلال توجيه جزء كبير من احتياطياتها الأجنبية لشراء أصول ذات عوائد أعلى من عوائد سندات الخزينة الأميركية التي تعتبر آمنة وملاذاً تقليدياً لتلك الفوائض، فأصبحت الصين ودول الخليج العربية أكبر مالك لهذه الصناديق باحتياطي نقدي يفوق 3 تريليونات دولار أميركي. هذا في الوقت الذي تركزت استثمارات الصناديق الخليجية في أصول وسندات الشركات الكبرى في أوروبا وأميركا بهدف تأمين مصادر موثوقة للدخل وتعزيز موجودات صناديقها الاستثمارية.
وفقاً لتقرير «معهد الصناديق السيادية» الأخير، احتلت الصناديق السيادية الآسيوية المرتبة الأولى حول العالم بأصول فاقت 38% وجاءت منطقة الشرق الأوسط في المرتبة الثانية بنسبة 37%، وذلك بسبب ارتفاع قيمة أصول الصناديق السيادية الخليجية إلى 1.7 تريليون دولار أميركي، التي تتكون من أصول الأراضي والأسهم والسندات والأجهزة الاستثمارية، وهي عبارة عن فوائض الأموال والمداخيل والاحتياطات المالية المتوفرة في البنوك المركزية الخليجية، التي تستثمرها في الدول الأخرى مثل أوروبا وأميركا واليابان وكندا.
صندوق النقد الدولي صنف الصناديق السيادية لتتفق على المبادئ وتختلف في الأهداف، بينما صنفتها مؤسسة التمويل الدولية لتتفق على وسائل الإدارة وتختلف في مصادر التمويل، فجاء أهمها الصناديق الممولة من عوائد المواد الأولية مثل النفط، تتبعها الصناديق الممولة بفوائض المدفوعات الجارية الناتجة عن تنافسيتها التصديرية، ثم الصناديق الممولة بعوائد برامج خصخصة القطاعات الحكومية، بينما جاء آخرها الصناديق الممولة من فوائض الميزانية لاستخدامها في زيادة استثماراتها وتنميتها.
ومن هنا نجد أن الصناديق السعودية تحتل أفضل مرتبة في هذه التصنيفات لتحقق في المستقبل القريب رؤية المملكة 2030، وتصبح نموراً سعودية بأنياب سيادية.
نقلا عن الوطن