في خطوة غير مسبوقة خليجيا وعربيا بدأت وزارة المالية السعودية بنشر التقارير ربع السنوية لأداء الميزانية العامة للدولة، متضمنة الإيرادات، والمصروفات، والعجز، والدين العام.
وقد أشادت بعثة خبراء صندوق النقد الدولي التي أجرت مناقشات مع المملكة العربية السعودية مؤخرا بهذه الخطوة وأهميتها في تعزيز مناخ الاستثمار والثقة في الاقتصاد. وكما يقول التقرير الذي نشرته البعثة تعتبر هذه الخطوة جديرة بالترحيب الكبير. فمن شأن زيادة الشفافية أن تساعد الأعمال الخاصة والمستثمرين على التخطيط بصورة أفضل لقرارات الاستثمار وتوظيف العمالة. كما انها تعكس جهود الحكومة لتعديل سياسة المالية العامة بما يتوافق مع انخفاض أسعار النفط. وكما يقول التقرير فإن الحكومة تتوخى هدفا ملائما على صعيد المالية العامة يتمثل في تعديل كبير ومستدام وبسرعة ملائمة بغية الوصول إلى ميزانية متوازنة. غير أن هدف الميزانية المتوازنة لا يتعين تحقيقه بالضرورة في عام 2019 حسبما ورد في «برنامج تحقيق التوازن المالي»، نظرا لمركز الأصول المالية القوي في المملكة وانخفاض مديونيتها. فاتباع منهج أكثر تدرجا في الضبط المالي يحقق توازن الميزانية بعد الوقت المحدد في البرنامج ببضع سنوات سيكون أقل تأثيرا على النمو في المدى القريب وسيتيح الحفاظ على هوامش أمان في المالية العامة تساعد على إدارة المخاطر المستقبلية.
وبطبيعة الحال كافة أرقام الميزانية ربع السنوية باتت منشورة لذلك لا يوجد داعٍ لتناولها بالتفصيل، لكن سوف نتطرق إلى دلالات مثل هذه الخطوة التي وصفها وزير المالية السعودي بأنها تعكس المساعي الجادة لتعزيز الشفافية والإفصاح المالي؛ مبينا أن التقرير الربعي الخاص بالربع الأول، المتضمن مؤشرات أفضل من التقديرات الأولية، يُظهر التقدم اللافت الذي تم إحرازه في مساعينا نحو تحقيق ميزانية متوازنة. كما أن حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي اعتمدتها الحكومة في برنامج التوازن المالي؛ ساعدت على إيجاد إيرادات جديدة، وتنويع مصادر الدخل؛ وكان لتلك السياسات دور مهم في تفعيل سياسات كفاءة الإنفاق، وترتيب أولويات واحتياجات المواطنين والخدمات الأساسية المقدمة لهم. وتظهر مؤشرات الميزانية أن المملكة تخطو بثبات على الطريق الصحيح نحو بناء اقتصاد متين؛ أكثر استقرارا وتنوعا، وأقل تأثرا بتقلبات الأسواق العالمية؛ خاصة في القطاع النفطي.
ويجب أن ننوه في البداية بأن الميزانية ربع السنوية التي أعلن عنها وزير المالية وما حوته من أرقام ومؤشرات تتماشى مع القواعد التي أطلقها البنك الدولي للشفافية في المالية العامة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2014، والتي تركز بقوة على تحليل نقاط الضعف والقوة التي تواجه المالية العامة. كما تهدف القواعد إلى تحقيق رؤية أكثر شمولية للقطاع العام بعيدا عن الحكومة تشمل الشركات المملوكة للدولة، ومصادر أخرى للمخاطر التي تواجه المالية العامة خارج إطار الميزانية.
كما يلاحظ ان البيانات المنشورة ضمن الميزانية الربعية ركزت على عدد من القواعد الإرشادية للمالية العامة التي أطلقها البنك الدولي ومنها تخفيض التكلفة التي تتحملها الحكومات للحصول على هذه الأدوات واستخدامها، وزيادة انتظامها مع ملاحظة أنها تأتي من زوايا شتى ومواءمة حوافز وبواعث متابعة التقييمات التي تستند إلى هذه الأدوات من خلال عرض النتائج والتقييمات بدرجة أوضح أمام مختلف المعنيين- وهذا يعني التفكير في الأدوات كسلع للنفع العام على المستوى العالمي، علاوة على التأكيد على وضوح وإيجابية الإرشادات التي يمكن أن يستخلصها واضعو السياسات من التقييمات.
وبات راسخا في الأدبيات العالمية أن شفافية الميزانية يمكن أن تعزز الاحتواء وكفاءة البرامج الحكومية على حد سواء. وعلاوة على ذلك، فإنها يمكن أن تساعد أيضا الحكومات على تحقيق الاستفادة المثلى من الموارد المحدودة والعامة من أجل تحقيق أقصى قدر من نتائج التنمية وتحقيق فوائد ملموسة لمواطنيها. وفي هذا السياق، فإن دور المؤسسات العليا لمراجعة الحسابات، التي تقوم بالتدقيق الخارجي على الإنفاق الحكومي، إلى جانب هيئات الرقابة المالية، ضروري لإظهار أي مخالفات مالية. وهذه المؤسسات جزء لا يتجزأ من إدارة وتحديد أولويات استخدام الأموال العامة وفقا لممارسات نظام الإدارة العامة السليم.
كما ان إعلان الميزانية السنوية الفصلية يكشف عن مدى كفاءة إدارة الميزانية وهو أمر حيوي للغاية. وفي جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، فقد كان الكشف عن تخصيص الأموال العامة يعتبر من المحرمات لسنوات طويلة. ومع زيادة طلب الجمهور للشفافية والمساءلة الحكومية فإن ذلك في حاجة إلى أن يتغير. ويجب الآن أن يتم النظر إلى المواطنين باعتبارهم لاعبين فاعلين يمثلون جزءا لا يتجزأ من الإشراف على السياسات العامة، والرقابة عليها، وتقييمها.
كما ان الخطوة الأولى في بناء مزيد من الشفافية والمساءلة هي قيام الحكومات بنشر ميزانيات مبسطة وسهلة القراءة للشخص العادي، بشكل ربع سنوي، لإطلاع الجمهور على مخصصات الميزانية. ووفقا للبنك الدولي، ومن بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لفت المغرب الانتباه بسبب الجهود التي قام بها لإعطاء المواطنين فرصة للوصول إلى والإطلاع على البيانات المتعلقة بالميزانية. وبفضل «الميزانيات المعدة للمواطن» بطريقة سهلة القراءة والفهم والتي دأب على نشرها كل عام منذ عام 2011، تمكن المغرب من مضاعفة ترتيبه في آخر مسح للموازنة المفتوحة عالميا، وساهم بقوة في استقطاب الاستثمارات العالمية للمغرب.
لذلك، فإن شفافية الميزانية العامة ونشرها بصورة دورية سوف يدعم جهود المملكة في استقطاب الاستثمارات الخاصة المحلية والعالمية، وهو هدف رئيسي لرؤية المملكة 2030 وبرامج الإصلاح التي تتبعها.
نقلا عن اليوم