البلديات والتنافس في التبذير !

17/05/2017 2
راكان الفريدي

أصبح ليس من المشاهد المستغربة أن ترى جيش من عمال البلدية أو المقاولين في أغلب شوارع المدن والقرى يقتلع الأشجار السليمة بدون سبب ثم يعاود زراعة ذات النوع من جديد ويزيل الأرصفة والدوارات ثم يعيد بنائها وترتيبها على الشكل الذي كانت عليه مع إضافة بعض الألوان والديكورات فقط، وليس بمشهد مريح أن ترى وبالرغم من التحذيرات المتكررة الكميات الهائلة من المياه تهدر على مشاريع زراعية على جوانب الطرق الصحراوية والتي لا فائدة منها أبداً بعد أن أصبحنا متأكدين من أنها ستزال عاجلاً أم آجلاً بحسب ما أعتدنا مشاهدته طوال السنوات الماضية، وليست هذه المشاهد منتشرة في منطقة محددة ولكن أصبحت منهج تتنافس على تطبيقه أغلب البلديات في جميع أنحاء المملكة.

فالنزعة التبذيرية والنمط الإستهلاكي كذلك التخبط وغياب التوجيه أصبحت صفات ملازمة لعمل الكثير من البلديات يصاحبها الهوس بالزخرفة على حساب البنية التحتية والتحول الإقتصادي الكامل الذي يصنع منها رادف مساند للإقتصاد الوطني وليس حمل ثقيل تعاني منه الميزانيات المتعاقبة. 

في المقابل لاتزال الإفكار الإستثمارية التي تعمل بها البلديات مستهلكة وغير مجدية وأيضاً غير جاذبة للإستثمار خصوصاً تلك التي تتبناها البلديات في المحافظات النائية، مثل تأجير الأراضي والرسوم وهي ليست ذات طابع مستدام وتنمية حقيقية، فمثلاً بدلاً من تأجير الأراضي الإستثمارية لمشاريع إستهلاكية  لماذا لا تقدم مجانية لعدد من السنوات لشركات صناعية؟ فهي بدورها ستضيف لإقتصاد المحافظة وتخلق العديد من الفرص الوظيفية وتنعش بعض القطاعات كالعقاري والخدمي وغيرها وهو الأمر الذي سيساعد في توسيع رقعة المناطق المستثمرة بدلاً من تكدسها في المدن الكبرى والذي إذا لم يطبق فسيتسبب حتما ً وعلى المدى المتوسط بهجرة متواصلة من تلك المحافظات تدريجياً بحثاً عن الوظائف والخدمات، فالشاب المقبل على الحياة ويبحث عن وظيفة في تلك المحافظات لن يكون مستمتعاً بمشاهدة الزخارف التي تصنعها تلك البلديات بعد أن إضطر لقطع مئات الكيلومترات ليجد وظيفة كريمة وبالتالي سيهجر تلك المحافظة قطعاً هو وعائلته.

في الحقيقة نحتاج لتحويل البلديات لمنشأت إستثمارية متكاملة متفرغة للعمل التنموي فقط وصانعة للفرص التجارية ولن يكون ذلك إلا بإسناد الأعمال الخدمية لجهات أخرى تنفق عليها البلديات من عوائد الإستثمارات الحقيقية في المناطق التابعة لها، ولتحقيق ذلك نحتاج مبدئياً إلى التعمق أكثر في سياسة المصروفات الهامشية للبلديات وإلغاء الكثير منها والتي أصبحت ظاهرة يلاحظها أبسط المواطنين وهي بلا شك تندرج تحت صفة التبذير والتي كان من الممكن تجنبها أو معالجتها بطريقة تضمن الحفاظ على المال العام وحمايته من المخاطر وتوجيهه لما هو أنفع وأشمل لكي يستشعر بثمارها المواطن، وبعد ذلك تتبنى البلديات منهج الإعتماد على النفس والتفكير بطريقة المستثمر الصبور وصانع الإقتصاد، كل تلك الأمور لو طبقت بطريقة شبه نموذجية على الاقل فلا شك أنها ستتناغم مع رؤية المملكة 2030 والتي ركزت بشكل كبير على معالجة المفاهيم الإستهلاكية والممارسات السلبية التي ستعزز بدورها الوضع الإقتصادي العام وتؤسس لتنمية مستدامة وخلاقة في جميع محافظات المملكة بالتساوي.

خاص_الفابيتا